التفاسير

< >
عرض

وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ
١
ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ
٢
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ
٣
أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ
٤
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ
٥
يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٦
-المطففين

معالم التنزيل

{ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ }, يعني الذين ينقصون المكيال والميزان ويبخسون حقوق الناس. قال الزجاج: إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان: مطفف, لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف.

أخبرنا أبو بكر يعقوب بن أحمد بن محمد علي الصيرفي, حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي, أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ, حدثنا عبد الرحمن بن بشر, حدثنا علي بن الحسين بن واقد, حدثني أبي, حدثني يزيد النحوي أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً، فأنزل الله عزّ وجلّ: { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } فأحسنوا الكيل.

وقال السدي: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وبها رجل يقال له: أبو جهينة, ومعه صاعان, يكيل بأحدهما, ويكتال بالآخر, فأنزل الله هذه الآية.

فالله تعالى جعل الويل للمطففين. ثم بين أن المطففين من هم فقال:

{ ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ }, وأراد إذا اكتالوا من الناس أي أخذوا منهم، و "مِنْ"، و "عَلى" يتعاقبان.

قال الزجاج: المعنى إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل والوزن، وأراد: الذين إذا اشتروا لأنفسهم استوفوا في الكيل والوزن.

{ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ }، أي كالوا لهم أو وزنوا لهم أي للناس, يقال: وزنتك حقك وكلتك طعامك, أي وزنت لك وكِلت لك كما يقال: نصحتك ونصحت لك وكسبتك وكسبت لك.

قال أبو عبيدة وكان عيسى بن عمر يجعلهما حرفين يقف على "كالوا ووزنوا" ويبتدئ "هم يخسرون" وقال أبو عبيدة: والاختيار الأول, يعني: أن كل واحدة كلمة واحدة، لأنهم كتبوها بغير ألف، ولو كانتا مقطوعتين لكانت: "كالوا و وزنوا" بالألف كسائر الأفعال مثل جاؤوا وقالوا: واتفقت المصاحف على إسقاط الألف، ولأنه يقال في اللغة: كلتك ووزنتك كما يقال: كلت لك ووزنت لك. "يخسرون" أي ينقصون، قال نافع: كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول: اتق الله وأوف الكيل والوزن، فإن المطففين يوقفون يوم القيامة حتى إن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم.

{ أَلا يَظُنُّ }، يستقين، { أُوْلَـٰئِكَ }، الذين يفعلون ذلك، { أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ }، يعني يوم القيامة.

{ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ }، من قبورهم، { لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }، أي لأمره ولجزائه ولحسابه.

أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, حدثنا محمد بن إسماعيل, أخبرنا إبراهيم بن المنذر, أخبرنا معن, حدثني مالك, عن نافع, عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقوم الناس لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه" .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني, أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث, حدثنا محمد بن يعقوب الكسائي, حدثنا عبد الله بن محمود, حدثنا إبراهيم بن عبد الله الخلال, حدثنا عبد الله بن المبارك, عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر, قال: حدثني سليم بن عامر, حدثني المقداد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو اثنين" - قال سليم: لا أدري أي الميلين يعني مسافة الأرض أوالميل الذي تكحل به العين؟ - قال: "فتصهرهم الشمس فيكونون في العَرَق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه إلى عقبيه ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجاماً" فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يشير بيده إلى فيه يقول: "ألجمه إلجاماً" .