التفاسير

< >
عرض

وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ
٢٧
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ
٢٨
إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ
٢٩
وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ
٣٠
وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ
٣١
وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ
٣٢
وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ
٣٣
فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ
٣٤
عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ
٣٥
هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
٣٦
-المطففين

معالم التنزيل

{ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ }، شراب ينصبُّ عليهم من علو في غرفهم ومنازلهم، وقيل: يجري في الهواء متسنماً فينصبّ في أواني أهل الجنة على قدر ملئها فإذا امتلأت أمسك. وهذا معنى قول قتادة.

وأصل الكلمة من العلو، يقال للشيء المرتفع: سنام, ومنه: سنام البعير. قال الضحاك: هو شراب اسمه تسنيم وهو من أشرف الشراب.

قال ابن مسعود وابن عباس: هو خالص للمؤمنين المقربين يشربونها صرفاً ويمزج لسائر أهل الجنة. وهو قوله: { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ }.

وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله: { مِن تَسْنِيمٍ }؟ قال: هذا مما قال الله تعالى: { { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [السجدة: 17].

{ عيناً } نصبٌ على الحال، { يَشْرَبُ بها } أي منها، وقيل: يشرب بها المقربون صرفاً.

قوله عزّ وجلّ: { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ }، أشركوا, يعني كفار قريش: أبا جهل, والوليد بن المغيرة, والعاص بن وائل, وأصحابهم من مترفي مكة، { كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمنوا }: عمار, وخباب, وصهيب, وبلال, وأصحابهم من فقراء المؤمنين. { يضحكون }، وبهم يستهزؤون.

{ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ }، يعني من فقراء المؤمنين بالكفار، { يَتَغَامَزُونَ }، والغمز الإشارة بالجفن والحاجب، أي يشيرون إليهم بالأعين استهزاءً.

{ وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ }، يعني الكفار، { إِلَىٰ أَهْلِهِمْ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ }، معجبين بما هم فيه يتفكهون بذكرهم.

{ وَإِذَا رَأَوْهُمْ }، رأوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، { قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَآلُّونَ }، يأتون محمداً صلى الله عليه وسلم يرون أنهم على شيء.

{ وَمَآ أُرْسِلُواْ }، يعني المشركين، { عَلَيْهِمْ }، يعني على المؤمنين، { حَـٰفِظِينَ }، أعمالهم, أي لم يوكلوا بحفظ أعمالهم.

{ فَٱلْيَوْمَ }، يعني في الآخرة، { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يضحكونَ }، قال أبو صالح: وذلك أنه يفتح للكفار في النار أبوابها، ويقال لهم: اخرجوا, فإذا رَأوها مفتوحة أقبلوا إليها ليخرجوا, والمؤمنون ينظرون إليهم فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم، يفعل ذلك بهم مراراً والمؤمنون يضحكون.

وقال كعب: بين الجنة والنار كُوَىً, فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوٍ له, كان في الدنيا, اطلع عليه من تلك الكوى، كما قال: { { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } [الصافات: 55]، فإذا اطلعوا من الجنة إلى أعدائهم وهم يعذبون في النار ضحكوا, فذلك قوله عزّ وجلّ: { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يضحكونَ }.

{ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ }، من الدر والياقوت، { يَنظُرُونَ }، إليهم في النار.

قال الله تعالى: { هَلْ ثُوِّبَ }، هل جوزي، { ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }، أي جزاء استهزائهم بالمؤمنين. ومعنى الاستفهام ها هنا: التقرير. وثوب وأثيب بمعنى واحد.