{ وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ }, قال ابن عباس, والحسن, ومجاهد, وإبراهيم, وعطاء بن أبي رباح, ومقاتل, والكلبي: هو تينكم هذا الذي تأكلونه, وزيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت.
قيل: خصَّ التين بالقسم لأنها فاكهة مخلَّصة لا عجم لها، شبيهة بفواكه الجنة. وخص الزيتون لكثرة منافعه, ولأنه شجرة مباركة جاء بها الحديث, وهو ثمر ودهن يصلح للاصطباغ والاصطباح.
وقال عكرمة: هما جبلان. قال قتادة: "التين": الجبل الذي عليه دمشق, و "الزيتون": الجبل الذي عليه بيت المقدس, لأنهما ينبتان التين والزيتون.
وقال الضحاك: هما مسجدان بالشام. قال ابن زيد: "التين": مسجد دمشق, و "الزيتون": مسجد بيت المقدس. وقال محمد بن كعب: "التين" مسجد أصحاب الكهف, و "الزيتون": مسجد إيليا.
{ وَطُورِ سِينِينَ }، يعني الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى عليه السلام, وذكرنا معناه عند قوله:
{ { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ } [المؤمنون: 20]. { وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ }، أي الآمن، يعني مكة, يأمن فيه الناس في الجاهلية والإسلام، هذه كلها أقسام والمقسَم عليه قوله:
{ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }، أي: أعدل قامة وأحسن صورة، وذلك أنه خلق كل حيوان منكبّاً على وجهه إلاّ الإنسان خلقه مديد القامة, يتناول مأكوله بيده, مزيَّناً بالعقل والتمييز.
{ ثُمَّ رَدَدْنَـٰهُ أَسْفَلَ سَـٰفِلِينَ }، يريد إلى الهرم وأرذل العمر، فينقص عقله ويضعف بدنه، والسافلون: هم الضعفاء والزّمْنَى والأطفال، فالشيخ الكبير أسفل من هؤلاء جميعاً، "وأسفل سافلين" نكرة تعمُّ الجنس، كما تقول: فلان أكرم قائم فإذا عرَّفت قلت: أكرم القائمين. وفي مصحف عبد الله "أسفل السافلين".
وقال الحسن, وقتادة, ومجاهد: يعني ثم رددناه إلى النار، يعني إلى أسفل السافلين، لأن جهنم بعضها أسفل من بعض.
قال أبو العالية: يعني إلى النار في شرِّ صورةٍ في صورة خنزير.
ثم استثنى فقال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ }، فإنهم لا يردون إلى النار. ومن قال بالقول الأول قال: رددناه أسفل سافلين، فزالت عقولهم وانقطت أعمالهم، فلا يكتب لهم حسنة إلا الذين آمنوا. { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ }، فإنه يكتب لهم بعد الهرم، والخرف، مثل الذي كانوا يعملون في حال الشباب والصحة.
قال ابن عباس: هم نفرٌ ردُوا إلى أرذل العمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى عذرهم. وأخبر أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم.
قال عكرمة: لم يضر هذا الشيخ كبره إذ ختم الله له بأحسن ما كان يعمل.
وروى عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } قال: "إلا الذين آمنوا قرؤوا القرآن، وقال: من قرأ القرآن لم يردَّ إلى أرذل العمر. { فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }، غير مقطوع, لأنه يكتب له كصالح ما كان يعمل. قال الضحاك: أجر بغير عمل، ثم قال: إلزاماً للحجة:
{ فَمَا يُكَذِّبُكَ }، أي: أمن يكذبك. وقيل: أي شيء يكذبك؟ أي يحملك على الكذب, وقيل على التكذيب أيها الإنسان، { بَعْدُ }، أي بعد هذه الحجة والبرهان، { بِٱلدِّينِ }، بالحساب والجزاء, والمعنى: ألا تتفكر في صورتك وشبابك وهرمك فتعتبر, وتقول: إن الذي فعل ذلك قادر على أن يبعثني ويحاسبني، فما الذي يكذبك بالمجازاة بعد هذه الحجج؟
{ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَـٰكِمِينَ }، بأقضى القاضين، قال مقاتل: أليس الله يحكم بينك وبين أهل التكذيب بك يا محمد.
وروينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من قرأ والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَـٰكِمِينَ } فليقل: بلى, وأنا على ذلك من الشاهدين" . أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, حدثنا محمد بن إسماعيل, أخبرنا أبو الوليد, حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت الأنصاري قال: سمعت البراء بن عازب قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقرأ في العشاء في إحدى الركعتين بالتين والزيتون.