المعنى: { إنما مثل } تفاخر الحياة الدنيا وزينتها بالمال والبنين إذ يصير ذلك إلى الفناء كمطر نزل
من السماء { فاختلط }، ووقف هنا بعض القراء على معنى، فاختلط الماء بالأرض ثم استأنف به { نبات
الأرض } على الابتداء والخبر المقدم، ويحتمل على هذا أن يعود الضمير في { به } على " الماء " أو على
" الاختلاط " الذي يتضمنه القول. ووصلت فرقة فرفع " النباتُ " على ذلك بقوله { اختلط } أي اختلط النبات
بعضه ببعض بسبب الماء، وقوله { مما يأكل الناس }، يريد الزروع والأشجار ونحو ذلك، وقوله
{ والأنعام } يريد سائر العشب المرعي، و { أخذت الأرض }، لفظة كثرت في مثل هذا كقوله { { خذوا
زينتكم } [الأعراف: 31] و" الزخرف " التزين بالألوان، وقد يجيء الزخرف بمعنى الذهب إذ الذهب منه،
وقرأ مروان بن الحكم وأبو جعفر والسبعة وشيبة ومجاهد والجمهور: { وازينت } أصله: تزينت سكنت التاء
لتدغم فاحتيج إلى ألف الوصل وقرأ ابن مسعود والأعمش وأبيّ بن كعب " وتزينت " وهذه أصل قراءة
الجمهور، وقرأ الحسن وأبو العالية والشعبي وقتادة ونصر بن عاصم وعيسى " وأزينت " على معنى حضرت
زينتها كما تقول أحصد الزرع، "وأزينت" على مثال أفعلت وقال عوف بن أبي جميلة: كان أشياخنا
يقرؤونها " وازيانت" النون شديدة والألف ساكنة قبلها، وهي قراءة أبي عثمان النهدي، وقرأت فرقة
" وأزيأنت"، وهي لغة منها قول الشاعر [ ابن كثير ]: [الطويل ]
إذا ما الهوادي بالغبيطِ احْمأرَّتِ
وقرأت فرقة " وازاينت " والمعنى في هذا كله ظهرت زينتها، وقوله { وظن أهلها } على بابها.
والضمير في { عليها } عائد على { الأرض }، والمراد ما فيها من نعمة ونبات، وهذا الكلام فيه تشبيه جملة
أمر الحياة الدنيا بهذه الجملة الموصوفة أحوالها، و { حتى } غاية وهي حرف ابتداء لدخولها على { إذا }
ومعناها متصل إلى قوله { قادرون عليها } ، ومن بعد ذلك بدأ الجواب، والأمر الآتي واحد الأمور كالريح
والصر والسموم ونحو ذلك، وتقسيمه { ليلاً أو نهاراً } تنبيه على الخوف وارتفاع الأمن في كل وقت،
و { حصيداً }: فعيل بمعنى مفول وعبر بـ"حصيد " عن التالف الهالك من النبات وإن لم يهلك بحصاد إذ
الحكم فيهما واحد وكأن الآفة حصدته قبل أوانه، وقوله { كأن لم تغن } أي كأن لم تنعم ولم تنضر ولم تغر
بغضارتها وقرأ قتادة " يغن " بالياء من تحت يعني الحصيد، وقرأ مروان " كأن لم تتغن " بتاءين مثل تتفعل
والمغاني المنازل المعمورة ومنه قول الشاعر: [الوافر ]
وقد نغنى بها ونرى عصوراً بها يقتدننا الخرد الخذالا
وفي مصحف أبي بن كعب " كأن لم تغن بالأمس وما كنا لنهلكها إلا بذنوب أهلها كذلك نفصل
الآيات"، رواها عنه ابن عباس، وقيل: إن فيه " وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها "، وقرأ أبو الدرداء
" لقوم يتذكرون " ومعنى الآية التحذير من الاغترار بالدنيا، إذ هي معرضة للتلف وأن يصيبها ما أصاب هذه
الأرض المذكورة بموت أو غيره من رزايا الدنيا، وخص "المتفكرين " بالذكر تشريفاً للمنزلة وليقع التسابق
إلى هذه الرتبة.