التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٥
إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ
٦
-يونس

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذا استمرار على وصف آيات الله والتنبيه على صنعته الدالة على الصانع، وهذه الآية تقتضي أن " الضياء" أعظم من " النور" وأبهى بحسب { الشمس } و { القمر } ، ويلحق ها هنا اعتراض وهو أنّا وجدنا الله تعالى شبه هداه ولطفه بخلقه بالنور فقال { { الله نور السماوات والأرض } [ النور: 35]، وهذا يقتضي أن النور أعظم هذه الأشياء وأبلغها في الشروق وإلا فلم ترك التشبيه إلا على الذي هو " الضياء" وعدل إلى الأقل الذي هو "النور " فالجواب عن هذا والانفصال: أن تقول إن لفظة النور أحكم وأبلغ في قوله { { الله نور السماوات والارض } [النور: 35]، وذلك أنه تعالى شبه هداه ولطفه الذي نصبه لقوم يهتدون وآخرين يضلون مع النور الذي هو أبداً موجود في الليل وأثناء الظلام، ولو شبهه بالضياء لوجب أن لا يضل أحد إذ كان الهدى يكون مثل الشمس التي لا تبقى معها ظلمة، فمعنى الآية أن الله تعالى قد جعل هداه في الكفر كالنور في الظلام فيهتدي قوم ويضل آخرون، ولو جعله كالضياء لوجب أن لا يضل أحد وبقي الضياء على هذا الانفصال أبلغ في الشروق كما اقتضت آيتنا هذه والله عز وجل هو ضياء السماوات والأرض ونورها وقيومها، ويحتمل أن يعترض هذا الانفصال والله المستعان، وقوله: { وقدره منازل } يريد البروج المذكورة في غير هذه الآية، وأما الضمير الذي رده على { القمر } وقد تقدم ذكر { الشمس } معه فيحتمل أن يريد بالضمير " القمر " وحده لأنه هو المراعى في معرفة { عدد السنين والحساب } عند العرب ويحتمل أن يريدهما معاً بحسب أنهما يتصرفان في معرفة عدد السنين والحساب عند العرب. لكنه اجتزأ بذكر الواحد كما قال { { والله ورسوله أحق أن يرضوه } [التوبة: 62] وكما قال الشاعر [أبو حيان ]: [الطويل]

رماني بذنب كنت منه ووالدي بريّاً ومن أجل الطويّ رماني

قال الزجّاج وكما قال الآخر: [المنسرح]

نحن بما عندنا وأنت بما عنـ دك راضٍ والرأي مختلفُ

وقوله { لتعلموا } المعنى قدر هذين النيرين، { منازل } لكي { تعلموا } بها، { عدد السنين والحساب } رفقاً بكم ورفعاً للالتباس في معاشكم وتجركم وإجاراتكم وغير ذلك مما يضطر فيه إلى معرفة التواريخ، وقوله { ما خلق الله ذلك إلا بالحق } أي للفائدة لا للعب والإهمال فهي إذاً يحق أن تكون كما هي، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص " يفصل الآيات "، وقرأ ابن كثير أيضاً وعاصم والباقون والأعرج وأبو جعفر وشيبة وأهل مكة والحسن والأعمش " نفصل " بنون العظمة، وقوله { لقوم يعلمون } إنما خصهم لأن نفع التفصيل فيهم ظهر وعليهم أضاء وإن كان التفصيل إنما وقع مجملاً للكل معداً ليحصله الجميع، وقرأ جمهور السبعة وقد رويت عن ابن كثير " ضياء"، وقرأ ابن كثير وحده فيما روي أيضاً عنه " ضئاء" بهمزتين، وأصله ضياء فقلبت فجاءت ضئائاً، فقلبت الياء همزة لوقوعها بين ألفين، وقال أبو علي: وهي غلط، وقوله تعالى { إن في اختلاف الليل والنهار } الآية، آية اعتبار وتنبيه، ولفظة الاختلاف تعم تعاقب الليل والنهار وكونهما خلفه وما يتعاورانه من الزيادة والنقص وغير ذلك من لواحق سير الشمس وبحسب أقطار الأرض، قوله { وما خلق الله في السماوات والأرض } لفظ عام لجميع المخلوقات، و" الآيات " العلامات والدلائل، وخصص " القوم المتقين " تشريفاً لهم إذ الاعتبار فيهم يقع ونسبتهم إلى هذه الأشياء المنظور فيها أفضل من نسبة من لم يهتد ولا اتقى.