تقدم في الأعراف الكلام على لفظة { نوح } و" المقام " وقوف الرجل لكلام أو خطبة أو نحوه،
و"المُقام" بضم الميم إقامته ساكناً في موضع أو بلد، ولم يقرأ هنا بضم الميم و " تذكيره ": وعظه وزجره،
والمعنى: يا قوم إن كنتم تستضعفون حالي ودعائي لكم إلى الله فإني لا أبالي عنكم لتوكلي على الله تعالى
فافعلوا ما قدرتم عليه، وقرأ السبعة وجهور الناس وابن أبي إسحاق وعيسى: " فأجمعوا " من أجمع الرجل
على الشيء إذا عزم عليه ومنه قول الشاعر: [الكامل ]
هل أغدونْ يوماً وأمر مجمع
ومنه قول الآخر: [الخفيف ]
أجمعوا أمرهم بليلِ فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
ومنه الحديث ما لم يجمع مكثاً ومنه قول أبي ذؤيب: [ الكامل ]
ذكر الورود بها فأجمع أمرَهُ شوقاً وأقبلَ حينه يتتبع
وقرأ نافع فيما روى عنه الأصمعي وهي قراءة الأعرج وأبي رجاء وعاصم الجحدري والزهري
والأعمش " فاجمَعوا " بفتح الميم من جمع إذا ضم شيئاً إلى شيء، و { أمركم } يريد به قدرتكم وحياتكم
ويؤيد هذه القراءة قوله تعالى: { { فتولى فرعون فجمع كيده } [طه: 60] وكل هؤلاء نصب "الشركاء"،
ونصب قوله: { شركاءكم }، يحتمل أن يعطف على قوله { أمركم }، وهذا على قراءة " فاجمعوا " بالوصل،
وأما من قرأ: "فأجمعوا" بقطع الألف فنصب "الشركاء" بفعل مضمر كأنه قال: وادعوا شركاءكم فهو من
باب قول الشاعر: [ المتقارب ]
شراب اللبان وتمر وأقط
ومن قول الآخر: [مجزوء الكامل مرفل]
ورأيت زوجك في الوغى متقلداً سيفاً ورمحا
ومن قول الآخر: [ الرجز ]
علفتها تبناً وماء بارداً حتى شَأت همالة عيناها
وفي مصحف أبي بن كعب: "فأجمعوا وادعوا شركاءكم"، قال أبو علي: وقد ينتصب "الشركاء" بواو
" مع "، كما قالوا جاء البريد والطيالسة، وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى وسلام
ويعقوب وأبو عمرو فيما روي عنه " وشركاؤكم " بالرفع عطفاً على الضمير في { أجمعوا }، وعطف على
الضمير قبل تأكيده لأن الكاف والميم في { أمركم } ناب مناب أنتم المؤكد للضمير، ولطول الكلام أيضاً،
وهذه العبارة أحسن من أن يطول الكلام بغير ضمير، ويصح أن يرتفع بالابتداء والخبر مقدر تقديره
وشركاؤهم فليجمعوا، وقرأت فرقة " وشركائكم " بالخفض على العطف على الضمير في قوله: { أمركم }،
التقدير وأمر شركائكم، فهو كقول الشاعر [العجّاج ]:
أكل امرىء تحسبين أمرأً ونار توقد بالليل نارا
أي وكل نار، والمراد بالشركاء في هذه الآية الأنداد من دون الله، فأضافهم إليهم إذ يجعلونهم شركاء
بزعمهم، وقوله { ثم لا يكن أمركم عليكم غمة }، أي ملتبساً مشكلاً، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في
الهلال، " "فإن غم عليكم" " ومنه قول الراجز:
ولو شهدت الناس إذا تكمّوا بغمة لو لم تفرجْ غمّوا
وقوله { ثم اقضوا إلي } ومعناه أنفذوا قضاءكم نحوي، وقرأ السدي بن ينعم: " ثم أفضوا " بالفاء وقطع
الألف، ومعناه: أسرعوا وهو مأخوذ من الأرض الفضاء أي اسلكوا إلي بكيدكم واخرجوا معي وبي إلى سعة وجلية، وقوله { ولا تنظرون } أي لا تؤخرون والنظرة التأخير.