التفاسير

< >
عرض

ٱلْقَارِعَةُ
١
مَا ٱلْقَارِعَةُ
٢
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ
٣
يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ
٤
وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ
٥
فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ
٦
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ
٧
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ
٨
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ
٩
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ
١٠
نَارٌ حَامِيَةٌ
١١
-القارعة

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قرأ: "القارعةَ ما القارعةَ" بالنصب عيسى، قال جمهور المفسرين: { القارعة } يوم القيامة نفسها لأنها تقرع القلوب بهولها، وقال قوم من المتأولين: { القارعة } صيحة النفخة في الصور، لأنها تقرع الأسماع، وفي ضمن ذلك القلوب، وفي قوله تعالى: { وما أدراك } تعظيم لأمرها، وقد تقدم مثله، و { يوم }: ظرف، والعامل فيه { القارعة } وأمال أبو عمرو: { القارعة }، و "الفراش": طير دقيق يتساقط في النار ويقصدها، ولا يزال يقتحم على المصباح ونحوه حتى يحترق، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقتحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب" ، وقال الفراء: "الفراش" في الآية: غوغاء الجراد وهو صغيره الذي ينتشر في الأرض والهواء، و{ المبثوث } هنا معناه: المتفرق، جمعه وجملته موجودة متصلة، وقال بعض العلماء: الناس أول قيامهم من القبور { كالفراش المبثوث }، لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام، يدعوهم الداعي فيتوجهون إلى ناحية المحشر فهم حينئذ كالجراد المنتشر، لأن الجراد إنما توجهه إلى ناحية مقصودة، واختلف اللغويون في "العهن"، فقال أكثرهم: هو الصرف عاماً، وقال آخرون: وهو الصوف الأحمر، وقال آخرون: هو الصوف الملون ألواناً، واحتج بقول زهير:

كأن فتات العهن في كل منزل نزلن به حب الفنا لم يحطم

والفنا: عنب الثعلب، وحبه قبل التحطم منه الأخضر والأحمر والأصفر، وكذلك الجبال جدد بيض وحمر وسود وصفر، فجاء التشبيه ملائماً، وكون { الجبال كالعهن }، إنما هو وقت التفتيت قبل النسف ومصيرها هباء، وهي درجات، والنفش: خلخلة الأجزاء وتفريقها عن تراصها، وفي قراءة ابن مسعود وابن جبير: "كالصوف المنفوش"، و"الموازين": هي التي في القيامة، فقال جمهور العلماء والفقهاء والمحدثين: ميزان القيامة بعمود ليبين الله أمر العباد بما عهدوه وتيقنوه، وقال مجاهد: ليس تم ميزان إنما هو العدل مثل ذكره بالميزان إذ هو أعدل ما يدري الناس، وجمعت الموازين للإنسان لما كانت له موزونات كثيرة متغايرة، وثقل هذا الميزان هو بالإيمان والأعمال، وخفته بعدمها وقلتها، ولن يخف خفة موبقة ميزان مؤمن. و{ عيشة راضية } معناه: ذات رضى على النسب، وهذا قول الخليل وسيبويه، وقوله تعالى: { فأمه هاوية } قال كثير من المفسرين: المراد بالأم نفس الهاوية، وهي درك من أدراك النار، وهذا كما يقال للأرض: أم الناس لأنها تؤويهم، وكما قال عتبة بن أبي سفيان في الحرب: فنحن بنوها وهي أمنا، فجعل الله الهاوية أم الكافر لما كانت مأواه، وقال آخرون: هو تفاؤل بشر فيه تجوز في أم الولاد، كما قالوا: أمه ثاكل وخوى نجمه وهوى نجمه ونحو هذا، وقال أبو صالح وغيره: المراد أم رأسه لأنهم يهوون على رؤوسهم، وقرأ طلحة: "فإمُّه" بكسر الهمزة وضم الميم المشددة، ثم قرر تعالى نبيه على دراية أمرها وتعظيمه ثم أخبره أنها { نار حامية }، وقرأ: " ما هي" بطرح الهاء في الوصل ابن إسحاق والأعمش، وروى المبرد " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: لا أم لك، فقال: يا رسول الله، أتدعوني إلى الهدى وتقول: لا أم لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أردت لا نار لك،" قال الله تعالى: { فأمه هاوية }.