التفاسير

< >
عرض

قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ
٣٤
وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ
٣٥
قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
٣٦
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ
٣٧
إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ
٣٨
قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
٣٩
إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ
٤٠
قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ
٤١
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ
٤٢
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ
٤٣
لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ
٤٤
-الحجر

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

الضمير في { منها } للجنة، وإن لم يجر ذكرها في القصة تتضمنها، ويحتمل أن يعود الضمير على ضيفة الملائكة، والـ { رجيم } المشتوم أي المرجوم بالقول والشتم، و { يوم الدين } يوم الجزاء، ومنه قول الشاعر:

ولم يبق سوى العدوا ن دناهم كما دانوا

وسأل إبليس "النظرة إلى يوم البعث" فأعطاه الله إياها إلى "وقت معلوم"، واختلف فيه فقيل إلى يوم القيامة أي يكون آخر من يموت من الخلق، قاله الطبري وغيره وقيل إلى وقت غير معين ولا مرسوم بقيامة ولا غيرها، بل علمه عند الله وحده، وقيل بل أمره كان إلى يوم بدر وأنه قتل يوم بدر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا وإن كان روي فهو ضعيف، والمنظر المؤخر، وقوله { رب } مع كفره يخرج على أنه يقر بالربوبية والخلق، وهو الظاهر من حاله وما تقتضيه فيه الآيات والأحاديث، وهذا لا يدفع في صدر كفره، وقوله { بما أغويتني } قال أبو عبيدة وغيره أقسم بالإغواء.
قال القاضي أبو محمد: كأنه جعله بمنزلة قول "رب" بقدرتك علي وقضائك ويحتمل أن تكون باء سبب، كأنه قال "رب" والله لأغوينهم بسبب إغوائك لي ومن أجله وكفاء له. ويحتمل أن يكون المعنى تجلداً منه ومبالغة في الجد أي بحالي هذه وبعدي عن الخير والله لأفعلن ولأغوين، ومعنى { لأزينن لهم في الأرض } أي الشهوات والمعاصي، والضمير في { لهم } لذرية آدم وإن كان لم يجر لهم ذكر، فالقصة بجملتها حيث وقعت كاملة تتضمنهم، و"الإغواء": الإضلال، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحسن والأعرج "المخلَصين" بفتح اللام، أي الذين أخلصتهم أنت لعبادتك وتقواك، وقرأ الجمهور "المخلِصين" بكسر اللام، أي الذين أخلصوا الإيمان بك وبرسلك، وقوله تعالى: { قال هذا صراط } الآية: القائل هو الله تعالى، ويحتمل أن يكون ذلك بواسطة، وقرأ الضحاك وحميد والنخعي وابو رجاء وابن سيرين وقتادة وقيس بن عباد ومجاهد وغيرهم "علي مستقيم" من العلو والرفعة، والإشارة بهذا على هذه القراءة إلى الإخلاص لما استثني إبليس من أخلص. قال الله له هذا الإخلاص طريق رفيع مستقيم لا تنال أنت بإغوائك أهله، وقرأ جمهور الناس "علي مستقيم"، والإشارة بهذا على هذه القراءة إلى انقسام الناس إلى غاو ومخلص، لما قسم إبليس الناس هذين القسمين، قال الله هذه طريق علي، أي هذا أمر إلى مصيره، والعرب تقول طريقك في هذا الأمر على فلان أي إليه يصير النظر في أمرك، وهذا نحو قوله تعالى
{ { إن ربك لبالمرصاد } [الفجر: 14].
قال القاضي أبو محمد: الآية على هذه القراءة تتضمن وعيداً، ثم ابتدأ الإخبار عن سلامة عباده المتقين من إبليس وخاطبه بأنه لا حجة له عليهم ولا ملكه.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر من قوله { عبادي }: الخصوص في أهل الإيمان والتقوى لا عموم الخلق، وبحسب هذا يكون { إلاَّ من اتبعك } مستثنى من غير الأول، التقدير لكن من اتبعك من الغاوين لك عليهم سلطان، وإن أخذنا العباد عاماً في عباد الناس إذ لم يقرر الله لإبليس سلطاناً على أحد فإنا نقدر الاستثناء في الأقل في القدر من حيث لا قدر للكفار، والنظر الأول أصوب، وإنما الغرض أن لا تقع في استثناء الأكثر من الأقل، وإن كان الفقهاء قد جوزوه، قال أبو المعالي ليس معروفاً في استعمال العرب، وهذه الآية أمثل ما احتج به مجوزوه.
قال القاضي أبو محمد: ولا حجة لهم في الآية على ما بينته، وقوله { جهنم لموعدهم } أي موضع اجتماعهم، والموعد يتعلق بزمان ومكان، وقد يذكر المكان ولا يحد زمان الموعد، و { أجمعين } تأكيد وفيه معنى الحال، وقوله { لها سبعة أبواب }، قيل إن النار بجملتها سبعة أطباق أعلاها جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم وفيه أبو جهل، ثم الهاوية، وإن في كل طبق منها باباً، فالأبواب على هذا بعضها فوق بعض، وعبر في هذه الآية عن النار جملة بـ { جهنم } إذ هي أشهر منازلها وأولها وهي موضع عصاة المؤمنين الذين لا يخلدون، ولهذا روي أن جهنم تخرب وتبلى، وقيل إن النار أطباق كما ذكرنا لكن "الأبواب السبعة" كلها في جهنم على خط استواء، ثم ينزل من كل باب إلى طبقة الذي يفضى إليه.
قال القاضي أبو محمد: واختصرت ما ذكر المفسرون في المسافات التي بين الأبواب وفي هواء النار، وفي كيفية الحال إذ هي أقوال أكثرها لا يستند، وهي في حيز الجائز، والقدرة أعظم منها، عافانا الله من ناره وتغمدنا برحمته بمنه. وقرأ الجمهور "جزء" بهمز، وقرأ ابن شهاب "جزُء" بضم الزاي، وقرأت فرقة "جزّ" بشد الزاي دون همز وهي قراءة ابن القعقاع.