التفاسير

< >
عرض

قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً
٨٧
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً
٨٨
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً
٨٩
حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً
٩٠
كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً
٩١
-الكهف

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ ظلم } في هذه الآية بمعنى كفر، ثم توعد الكافرين بتعذيبه إياهم قبل عذاب الله، وعقب لهم بذكر عذاب الله، لأن تعذيب ذي القرنين هو اللاحق عندهم، المحسوس لهم، الأقرب نكاية فلما جاء إلى وعد المؤمنين، قدم تنعيم الله تعالى الذي هو اللاحق عن المؤمنين، والآخر بإزائه حقير، ثم عبر أخيراً بذكر إحسانه في قول اليسر، وجعله قولاً، إذ الأفعال كلها خلق الله تعالى، فكأنه سلمها، ولم يراع تكسبه، وقرأت فرقة "نُكراً" بضم الكاف، وفرقة "نكْراً" بسكون الكاف، ومعناه المنكر الذي تنكره الأوهام لعظمه وتستهوله، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وابن عامر: { جزاء الحسنى } بإضافة الجزاء إلى { الحسنى }، وذلك يحتمل معنيين: أحدهما أن يريد بـ { الحسنى } الجنة، والجنة هي الجزاء، فأضاف ذلك كما قال "دار الآخرة" والدار هي الآخرة، والثاني أن يريد بـ { الحسنى } أعمالهم الصالحة في إيمانهم، فوعدهم بجزاء الأعمال الصالحة، وقرأ حمزة الكسائي وحفص عن عاصم "جزاءً الحسنى" بنصب الجزاء على المصدر في موضع الحال، و"الحسنى": ابتداء خبره في المجرور، ويراد بها الجنة، وقرأ عبد الله بن أبي إسحاق "جزاءٌ" بالرفع والتنوين { الحسنى } وقرأ ابن عباس ومسروق: "جزاءَ" نصب بغير التنوين { الحسنى } بالإضافة، قال المهدوي: ويجوز حذف التنوين لالتقاء الساكنين، ووعدهم بذلك بأنه ييسر عليهم أمور دنياهم، وقرأ ابن القعقاع: "يسُراً" بضم السين، وقوله { ثم أتبع سبباً } المعنى: ثم سلك ذو القرنين الطرق المؤدية إلى مقصده، فيجيء سبب الوصول، وكان ذو القرنين، على ما وقع في كتب التواريخ يدوس الأرض بالجيوش الثقال، والسيرة الحميدة، والإعداد الموفي، والحزم المستيقظ المتقد، والتأييد المتواصل، وتقوى الله عز وجل، فما لقي أمة ولا مر بمدينة إلا دانت له، ودخلت في طاعته، وكل من عارضه أو توقف عن أمره جعله عظة وآية لغيره، وله في هذا المعنى أخبار كثيرة وغرائب. وكرهت التطويل بها لأنها علم تاريخ. وقرأ الجمهور "مطلِع" بكسر اللام، وقرأ الحسن بخلاف وابن كثير وأهل مكة "مَطلَع الشمس" بفتح اللام، و"القوم": الزنج، قاله قتادة وهم الهنود وما وراءهم، وقال النقاش في قوله { لم نجعل لهم من دونها ستراً } معناه: أنه لهم بنيان، إذ لا تحمل أرضهم البناء، وإنما يدخلون من حر الشمس في أسراب، وقيل يدخلون في ماء البحر، قاله الحسن وقتادة وابن جريج، وكثر النقاش في غيره في هذا المعنى، والظاهر من اللفظ أنها عبارة بليغة عن قرب الشمس منهم وفعلها، لقدرة الله تعالى فيهم، ونيلها منهم، ولو كان لهم أسراب تغني لكان ستراً كثيفاً، وإنما هم في قبضة القدرة، سواء كان لهم أسراب أو دور أو لم يكن، ألا ترى أن الستر، عندنا نحن، إنما هو من السحاب والغمام وبرد الهوى، ولو سلط الله علينا الشمس لأحرقتنا، فسبحان المنفرد بالقدرة التامة، وقوله { كذلك } معناه: فعل معهم كفعله مع الأولين أهل المغرب، فأوجز بقوله { كذلك } ثم أخبر الله تعالى عن إحاطته بجميع ما لدى ذي القرنين، وما تصرف من أفعاله ويحتمل أن يكون { كذلك } استئناف قول، ولا يكون راجعاً على الطائفة الأولى، فتأمله، والأول أصوب.