التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ
١٢٧
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ
١٢٨
وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى
١٢٩
فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ
١٣٠
-طه

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

المعنى وكما وصفنا من أليم الأفعال { نجزي } المسرفين الكفار بالله عز وجل، وقوله { ولعذاب الآخرة } إن كانت معيشة الضنك في الدنيا أو البرزخ فجاء هذا وعيداً في الآخرة بعد وعيد، وإن كانت المعيشة في الآخرة فأكد الوعيد بعينه هذا القول، الذي جعل به عذاب الآخرة فوق كل عذاب يتخيله الإنسان أو يقع في الدنيا، ثم ابتدأ يوبخهم ويذكرهم العبر بقوله { أفلم يهدِ، لهم } وقرأت فرقة "يهد" بالياء بمعنى يتبين، واختلفت هذه الفرقة في الفاعل فقال بعضها الفاعل { كم } وهذا قول كوفي. ونحاة البصرة لا يجيزونه لأن "كم" لها صدر الكلام، وفي قراءة ابن مسعود "أفلم يهد لهم من أهلكنا" فكأن هذه القراءة تناسب ذلك التأويل في { كم } وقال بعضهم الفاعل الله عز وجل، والمعنى { أفلم يهد لهم } ما جعل الله لهم من الآيات والعبر فأضاف الفعل إلى الله عز وجل بهذا الوجه قاله الزجاج، وقال بعضهم الفاعل مقدر الهدى أو الأمرع أو النظر او الاعتبار هذا أحسن ما يقدر به عندي، وقرأت فرقة "نهد" بالنون وهذه القراءة تناسب تأويل من قال في التي قبلها الفاعل الله تعالى. و { كم } على هذه الأقوال نصب بـ { أهلكنا }، ثم قيد { القرون } بأنهم يمشي هؤلاء الكفرة { في مساكنهم } فإنما أراد عاداً أو ثمود أو الطوائف التي كانت قريش تجوز على بلادهم في المرور إلى الشام وغيره، وقرأت فرقة "يمشون" بفتح الياء، وقرأت فرقة "يُمشّون" بضم الياء وفتح الميم وشد الشين، و { النهى } جمع نهية وهو ما ينهى الإنسان عن فعل القبيح، ثم أعلم عز وجل قبله أن العذاب كان يصير لهم { لزاماً } { لولا كلمة سبقت } من الله تعالى في تأخيره عنهم إلى { أجل مسمى } عنده فتقدير الكلام { ولولا كلمة سبقت } في التأخير { وأجل مسمى } لكان العذاب { لزاماً } كما تقول لكان حتماً أو واجباً واقعاً لكنه قدم وأخر لتشتبه رؤوس الآي. واختلف الناس في الأجل فيحتمل أن يريد يوم القيامة والعذاب المتوعد به على هذا هو عذاب جهنم، ويحتمل أن يريد بـ "الأجل" موت كل واحد منهم فالعذاب على هذا هو ما يلقى في قبره وما بعده، ويحتمل أن يريد بالآجال يوم بدر فالعذاب على هذا هو قتلهم بالسيف وبكل احتمال مما ذكرناه، قالت فرقة، وفي صحيح البخاري، أن يوم بدر وهو اللزام وهو البشطة الكبرى، ثم أمره تعالى بالصبر على أقوالهم إنه ساحر وإنه كاهن وإنه كذاب إلى غير ذلك، والمعنى لا تحفل بهم فإنهم مدركة الهلكة وكون اللزام يوم بدر أبلغ في آيات نبينا عليه السلام وقوله تعالى: { وسبح بحمد ربك } قال أكثر المتأولين هذه إشارة إلى الصلوات الخمس { قبل طلوع الشمس } صلاة الصبح { وقبل غروبها } صلاة العصر و { من آناء الليل } العتمة { وأطراف النهار } المغرب والظهر. وقالت فرقة { آناء الليل } المغرب والعشاء، { وأطراف النهار } الظهر وحدها، ويحتمل اللفظ أن يراد قول سبحان الله وبحمده من بعد صلاة الصبح إلى ركعتي الضحى وقبل غروب الشمس فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من سبح قبل غروب الشمس سبعين تسبيحة غربت بذنوبه" ع وسمى الطرفين أطرافاً على أحد وجهين إما على نحو فقد صغت قلوبكما: وإما على أن يجعل النهار للجنس، فلكل يوم طرف وهي التي جمع، وأما من قال { أطراف النهار } لصلاة الظهر وحدها فلا بد له من أن يتمسك بأن يكون النهار للجنس كما قلنا أو نقول إن النهار ينقسم قسمين فصلهما الزوال ولكل قسم طرفان فعند الزوال طرفان الآخر من القسم الأول والأول من القسم الآخر فقال عن الطرفين أطرافاً على نحو فقد صغت قلوبكما، وأشار إلى هذا النظر ابن فورك في المشكل والآناء جمع أنى وهي الساعة من الليل ومنه قول الهذلي:

حلو ومر كعطف القدح مر به في كل أنى حداة الليل تنتقل

وقالت فرقة في الآية إشارة إلى نوافل، فمنها { آناء الليل } ومنها { قبل طلوع الشمس } وركعتا الفجر والمغرب { أطراف النهار }، وقرأ الجمهور "لعلك تَرضى" بفتح التاء أي لعلك تثاب على هذه الأعمال بما ترضى به، وقرأ الكسائي وأبو بكر عن عاصم "لعلك تُرضى" أي لعلك تُعطى ما يرضيك.