التفاسير

< >
عرض

قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ
٥٧
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى
٥٨
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى
٥٩
-طه

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذه المقاولة من فرعون تدل على أن أمر موسى قد كان قوي وكثر متبعوه من بني إسرائيل ووقع أمره في نفوس الناس، وذلك أنها مقاولة من يحتاج إلى الحجة لا من يصدع بأمر نفسه، وأرضهم هي أرض مصر، وقرأت فرقة "لا نخلُفه" بالرفع، وقرأت فرقة "لا نخلفْه" بالجزم على جواب الأمر، و { نحن } تأكيد للضمير من حيث احتاج الكلام إلى العطف عليه أكد، و{ موعداً } مفعول أول لـ { فاجعل }، و{ مكاناً } مفعول ثان هذا الذي اختار أبو علي ومنع أن يكون { مكاناً } معمولاً لقوله { موعداً } لأنه قد وصف وهذه الأسماء العاملة عمل الفعل إذا نعتت أو عطف عليها أو أخبر عنها أو صغرت أو جمعت وتوغلت في الاسمية بمثل هذا لم تعمل ولا تعلق بها شيء هو منها، وقد يتوسع في الظروف فتعلق بعد ما ذكرنا كقوله عز وجل: { { ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون } [غافر: 10] فقوله { إذ } [غافر: 10] معلق بقوله { لمقت الله } [غافر: 10] وهو قد أخبر عنه وإنما جاز هذا في الظروف خاصة، وكذلك منع أبو علي أن يكون قوله { مكاناً } قصياً على الظرف الساد مسد المفعول.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا نظر ومنع قوم أن يكون { مكاناً } نصب على المفعول الثاني بتخلفه، وجوزه جماعة من النحاة ووجهه أن يتسع في أن يخلف الوعد. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع والكسائي "سِوى" بكسر السين، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة "سُوى" بضمها، والجمهور نون الواو، وقال أبو الفتح ترك الصرف هنا مشكل والذي ينبغي أن يكون محمولاً على الوقف، وقرأت فرقة "سوى" ذكره أبو عمرو عن ابن أبي عبلة ومعنى "سوى" أي عدلاً ونصفة قال أبو علي: فكأنه قال "مكاناً" قربه منكم قربه منا (ع) إنما أراد أن حالنا فيه مستوية فيعم ذلك القرب وأن تكون المنازل فيه واحدة في تعاطي الحق أي لا يعترضكم فيه الرياسة وإنما تقصد الحجة. و { سوى } لغة في سوى ومن هذه اللفظة قول الشاعر [موسى ابن جابر الحنفي] [الطويل]

وإن أباناً كان حل ببلدة سوى بين قيس قيس عيلان والفزر

وقالت فرقة مستوياً من الأرض لا وهد فيه ولا نشز، وقالت فرقة معناه سوى مكاناً هذا فقال موسى { موعدكم يوم الزينة } اتسع في الظرف من قرأه برفع "يومُ" فجعله خبراً وقرأ الحسن والأعمش والثقفي "يومَ" بالنصب على الظرف والخبر مقدر، وروي أن { يوم الزينة } كان عيداً لهم ويوماً مشهوراً وصادف يوم عاشوراء وكان يوم سبت وقيل هو يوم كسر الخليج الباقي إلى اليوم. وقوله { وأن يحشر الناس } عطف على { الزينة } فهو في موضع خفض، ويحتمل أن يكون في موضع رفع على تقدير وموعدكم أن يحشر الناس، ويقلق عطفه على "اليوم" وفيه نظر، وقرأ الجمهور "حُشر الناسُ" رفعاً وقرأ ابن مسعود والخدري وجماعة "يَحشُر الناسَ" بفتح الياء وضم الشين ونصب "الناسَ" وقرأت فرقة "نحشر الناس" بالنون. والحشر الجمع ومعناه نحشر الناس لمشاهده المعارضة والتهيؤ لقبول الحق حيث كان.