التفاسير

< >
عرض

وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ
٣٤
كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
٣٥
-الأنبياء

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قيل إن سبب هذه الآيةأن بعض المسلمين قال إن محمداً لن يموت وإنما مخلد فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأنكره ونزلت هذه الآية والمعنى لم نخلد أحداً ولا أنت لا نخلدك وينبغي ان لا ينتقم أحد من المشركين عليك في هذا أهم مخلدون إن مت أنت فيصح لهم انتقام، وقيل إن سبب الآية أن كفار مكة طعنوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه بشر وأنه يأكل الطعام ويموت فكيف يصحّ إرساله فنزلت الآية رادة عليهم، وألف الأستفهام داخلة في المعنى على جواب الشرط وقدمت في أول الجملة لأن الاستفهام له صدر الكلام والتقدير أفهم { الخالدون } إن مت، والفاء في قوله "فإن" عاطفة جملة على جملة، وقرأت فرقة "مُت" بضم الميم، وفرقة "مِت" بكسرها، وقوله { كل نفس } عموم يراد به الخصوص، والمراد كل نفس مخلوقة، و"الذوق" ها هنا مستعار، { ونبلوكم } معناه نختبركم وقدم الشر لأن الابتداء به أكثر ولأن العرب من عادتها أن تقدم الأقل والأردى فمنه قوله تعالى: { { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة } [الكهف: 49] ومنه قوله تعالى: { { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } } [فاطر: 32] فبدأ في تقسيم أُمة محمد بالظلم وقال الطبري عن ابن عباس أنه جعل { الخير } و"الشر" هنا عاماً في الغنى والفقر والصحة والمرض والطاعة والمعصية والهدى والضلالة.
قال القاضي أبو محمد: إن المراد من { الخير } و"الشر" هنا ما يصح أن يكون فتنة وابتلاء وذلك خير المال وشره وخير الدنيا في الحياة وشرها، وأما الهدى والضلال فغير داخل في هذا ولا الطاعة ولا المعصية لأن من هدى فليس نفس هداه اختبار بل قد تبين خبره، فعلى هذا ففي الخير والشر ما ليس فيه اختبار، كما يوجد أيضاً اختبار بالأوامر والنواهي، وليس بداخل في هذه الآية. و { فتنة } معناه امتحاناً وكشفاً، ثم أخبر عز وجل عن الرجعة إليه والقيام من القبور، وفي قوله { وإلينا ترجعون } وعيد، وقرأت فرقة "تُرجعون" بضم التاء، وقرأت فرقة "تَرجعون" بفتحها، وقرأت فرقة "يُرجعون" بالياء مضمومة على الخروج من الخطاب إلى الغيبة.