التفاسير

< >
عرض

وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٥٥
وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
٥٦
لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَأْوَٰهُمُ ٱلنَّارُ وَلَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٥٧
-النور

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قرأ الجمهور "استخلَف" على بناء الفعل للفاعل، وقرأ أبو بكر عن عاصم والأعرج، "استُخلِف" على بناء الفعل للمفعول، وروي أن سبب هذه الآية أن أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شكا جهد مكافحة العدو وما كانوا فيه من الخوف على أنفسهم وأنهم لا يضعون أسلحتهم فنزلت هذه الآية عامة لأمة محمد عليه السلام، وقوله { في الأرض } يريد في البلاد التي تجاورهم والأصقاع التي قضى بامتدادهم إليها، و"استخلافهم" هو أن يملكهم البلاد ويجعلهم أهلها كما جرى في الشام وفي العراق وخراسان والمغرب، وقال الضحاك في كتاب النقاش هذه الآية تتضمن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي لأنهم أهل الإيمان وعمل الصالحات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الخلافة بعدي ثلاثون سنة"
قال الفقيه الإمام القاضي : والصحيح في الآية أنها في استخلاف الجمهور، واللام في قوله { ليستخلفنهم } لام القسم، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر " ليبَدّلنهم" بفتح الباء وشد الدال، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر والحسن وابن محيصن بسكون الباء وتخفيف الدال، وجاء في معنى تبديل خوفهم بالأمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال أصحابه: ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تغبرون إلا قليلاً حتى يجلس الرجل منكم في الملأِ العظيم محتبياً ليس فيه حديدة" ، وقوله { يعبدونني } فعل مستأنف أي هم يعبدونني، قوله { ومن كفر } يحتمل أن يريد كفر هذه النعم إذا وقعت ويكون "الفسق" على هذا غير المخرج عن الملة، قال بعض الناس في كتاب الطبري ظهر ذلك في قتلة عثمان رضي الله عنه، ويحتمل أن يريد الكفر والفسق المخرجين عن الملة وهو ظاهر قول حذيفة بن اليمان فإنه قال كان على عهد النبي نفاق وقد ذهب ولم يبق إلا كفر بعد إيمان، ولما قدم تعالى شرط عمل الصالحات بينها في هذه الآية، فنص على عظمها وهي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وعم بطاعة الرسول لأنها عامة لجميع الطاعات، و { لعلكم } معناه في حقكم ومعتقدكم، ثم أنحى القول على الكفرة بأن نبه على أنهم ليسوا بمفلتين من عذاب الله، وقرأ جمهور السبعة "لا تحسبن" بالتاء على المخاطبة للنبي عليه السلام، وقرأها الحسن بن أبي الحسن بفتح السين، وقرأ حمزة وابن عامر " لا يحسبن" بالياء قال أبو علي، وذلك يحتمل وجهين أحدهما أن يكون التقدير لا يحسبن محمد والآخر أن يسند الفعل إلى { الذين كفروا } والمفعول أنفسهم، وأعجز الرجل، إذا ذهب في الأرض فلم يقدر عليه ثم أخبر بأن "مأواهم النار" وأنها بئس الخاتمة والمصير.