التفاسير

< >
عرض

فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ
٨
وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٩
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٠
وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
١١
-القصص

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

"الالتقاط" اللقاء على غير قصد وروية، ومنه قول الشاعر [نقادة الأسدي]: [الرجز]

ومنهل وردته التقاطا لم ألق إذ وردته فراطا
إلا الحمام القمر والغطاطا فهن يلغطن به إلغاطا

ومنه اللغطة و { آل فرعون } أهله وجملته، وروي أن آسية امرأة فرعون رأت التابوت يعوم في اليم فأمرت بسوقه وفتحته فرأت فيه صبياً صغيراً فرحمته وأحبته، وقال السدي: إن جواريها كان لهن في القصر على النيل فرضة يدخل الماء فيها إلى القصر حتى ينلنه في المرافق والمنافع فبينا هنّ يغسلن في تلك الفرضة إذ جاء التابوت فحملنه إلى مولاتهن، وقال ابن إسحاق: رآه فرعون يعوم فأمر بسوقه وآسية جالسة معه فكان ما تقدم، وقوله تعالى: { ليكون لهم عدواً وحزناً } هي لام العاقبة لا أن المقصد بالالتفاظ كان لأن يكون عدواً، وقرأ الجمهور "وحَزَناً" بفتح الحاء والزاي.
وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب وطلحة والأعمش "وحُزْناً" بضم الحاء وسكون الزاي، و"الخاطىء" متعمد الخطأ، والمخطىء الذي لا يتعمده، واختلف المتأولون في الوقت الذي قالت فيه امرأة فرعون { قرة عين لي ولك }، فقالت فرقة: كان ذلك عند التقاط التابوت لما أشعرت فرعون به سبق إلى وهمه أنه من بني إسرائيل وأن ذلك قصد به ليخلص من الذبح فقال عليّ بالذباحين فقالت امرأته ما ذكر فقال فرعون: أما لي فلا، قال النبي صلى الله عليه وسلم
"لو قال فرعون نعم لآمن بموسى ولكان قرة عين له" ، وقال السدي: بل ربته حتى درج فرأى فرعون فيه شهامة وظنه من بني إسرائيل وأخذه في يده فمد موسى يده ونتف لحية فرعون فهم حينئذ بذبحه وحينئذ خاطبته بهذا وجربته له في الجمرة والياقوته فاحترق لسانه وعلق العقدة، وقوله { لا يشعرون } أي بأنه الذي يفسد الملك على يديه قال قتادة وغيره، وقرأ ابن مسعود "لا تقتلوه قرة عين لي ولك" قدم وأخر، وقوله { وأصبح } عبارة عن دوام الحال واستقرارها وهي كظل، ومنه قل أبي سفيان للعباس يوم الفتح: لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً يريد استقرت حاله عظيماً. وقرأ جمهور الناس "فارغاً" من الفراغ واختلف في معنى ذلك فقال ابن عباس: "فارغاً" من كل شيء إلا من ذكر موسى، وقال مالك: هو ذهاب العقل.
قال الفقيه الإمام القاضي: نحو قوله
{ { وأفئدتهم هواء } [إبراهيم: 43] وقالت فرقة "فارغاً" من الصبر، وقال ابن زيد "فارغاً" من وعد الله تعالى ووحيه إليها أي تناسته بالهم وفتر أثره في نفسها وقال لها إبليس فررت به من قتل لك فيه أجر وقتلته بيدك، وقال أبو عبيدة "فارغاً" من الحزن إذ لم يغرق، وقرأ فضالة بن عبد الله ويقال ابن عبيد والحسن "فزعاً" من الفزع بالفاء والزاي، وقرأ ابن عباس "قرعاً" بالقاف والراء من القارعة وهي الهم العظيم، وقرأ بعض الصحابه رضي الله عنهم "فِرْغاً" بالفاء المكسورة والراء الساكنة والغين المنقوطة ومعناها ذاهباً هدراً تالفاً من الهم والحزن، ومنه قول طليحة الأسدي في حبال أخيه: [الطويل]

فإن تك قتلى قد أصيبت نفوسهم فلن يذهبوا فرغاً بقتل حبال

أي هدراً تالفاً لا يتبع، وقرأ الخليل بن أحمد "فُرُغاً" بضم الفاء والراء. وقوله تعالى: { إن كادت لتبدي به } أي أمر ابنها، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كادت أم موسى أن تقول واإبناه وتخرج صائحة على وجهها" و "الربط على القلب" تأنيسه وتقويته، ومنه قولهم للشجاع والصابر في المضايق: رابط الجأش، قال قتادة: وربط على قلبها بالإيمان، وقوله { لتكون من المؤمنين } أي من المصدقين بوعد الله وما أوحى إليها به، ثم قالت لأخت موسى طمعاً منها وطلباً، { قصيه }، والقص طلب الأثر، فيروى أن أخته خرجت في سكك المدينة تبحث مختفية بذلك فرأته عند قوم من حاشية امرأة فرعون يطلبون به امرأة ترضعه حين لم يقبل المراضع، و { عن جنب } أي عن ناحية من غير قصد ولا قرب يشعر لها به، يقال فيه جنب وجناب وجنابة ومن جناب قول الشاعر: [الطويل]

لقد ذكرتني عن جناب حمامة بعسفان أهلي فالفؤاد حزين

ومن جنابة قول الأعشى: [الطويل]

أتيت حريثاً زائراً عن جنابة فكان حريث عن عطائيَ جامدا

قال الفقيه الإمام القاضي: وكأن معنى هذه الألفاظ عن مكان جنب أي عن بعد ومعنى الآية عن بعد لم تدن منه فيشعر لها، وأنشد أبو عبيدة لعلقمة بن عبدة: [الطويل]

فلا تحرمنّي نائلاً عن جنابة فإني امرؤ وسط القباب غريب

وقرأ قتادة "عن جَنْب" بفتح الجيم وسكون النون وهي قراءة الحسن والأعرج، وقرأ "عن جانب" النعمان بن سالم، وقرأ الجمهور "عن جُنُب" بضم الجيم والنون، وقوله { وهم لا يشعرون }، معناه أنها أخته وأنها من جملة لطائف الله تعالى له ولأمه حسب الوعد الذي أوحي إليها، ويقال: بصرت الشيء وأبصرته بمعنى واحد متقارب، قال المهدوي: وقيل { عن جنب } معناه عن شوق وهي لغة لجذام يقولون جنبت إلى لقائك أي اشتقت إليه، وقال قتادة: معنى { عن جنب } أنها تنظر إليه كأنها لا تريده.