التفاسير

< >
عرض

وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱرْجُواْ ٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ
٣٦
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ
٣٧
وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ
٣٨
-العنكبوت

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

نصب { شعيباً } بفعل مضمر يحسن مع إلى تقديره بعثنا أو أرسلنا، فأمر شعيب بعبادة الله تعالى والإيمان بالبعث واليوم الآخر ومع الإيمان به يصح رجاؤه، وذهب أبو عبيدة إلى أن المعنى وخافوا، و { تعثوا }، معناه تفسدون، يقال عثا يعثوا وعث يعث وعاث يعيث وعثى يعثي إذا فسد، وأهل { مدين } قوم شعيب هذا على أنها اسم البلدة، وقيل { مدين } اسم القبيلة وأصحاب الأيكة وغيرهم، وقيل هم بعضهم ومنهم وذلك أن معصيتهم في أمر الموازين والمكاييل كانت واحدة.
و { الرجفة } ميد الأرض بهم وزلزلتها عليهم وتداعيها بهم وذلك نحو من الخسف، ومنه الإرجاف بالاخبار، و"الجثوم" في هذا الموضع تشبيه، أي كان همودهم على الأرض كالجثوم الذي هو للطائر والحيوان، ومنه قول لبيد: [الكامل]

فغدوت في غلس الظلام وطيره غلب على خضل العضاة جثوم

وقوله { وعاداً } منصوب بفعل مضمر تقديره واذكر عاداً، وقيل هو معطوف على الضمير في قوله { فأخذتهم }، وقال الكسائي هو معطوف على قوله { { ولقد فتنا الذين من قبلهم } [العنكبوت: 3]، وقرأ، "وثموداً" عاصم وأبو عمرو وابن وثاب، وقرأ "وثمود" بغير تنوين أبو جعفر وشيبة الحسن، وقرأ ابن وثاب "وعادٍ وثمودٍ" بالخفض والتنوين، ثم دل عز وجل على ما يعطي العبرة في بقايا { مساكنهم } ورسوم منازلهم ودثور آثارهم، وقرأ الأعمش "تبين لكم مَساكنهم" دون "من"، وقوله تعالى: { وزين لهم } عطف جملة من الكلام على جملة، و { السبيل }، هي طريق الإيمان بالله ورسله، ومنهج النجاة من النار، وقوله، { مستبصرين }، قال ابن عباس ومجاهد والضحاك معناه لهم بصيرة في كفرهم، وإعجاب به وإصرار عليه فذمهم بذلك، وقيل لهم بصيرة في أن الرسالة والآيات حق لكنهم كانوا مع ذلك يكفرون عناداً ويردهم الضلال إلى مجاهله ومتالفه، فيجري هذا مجرى قوله تعالى في غيرهم { { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } } [النمل: 14]، وتزيين الشيطان هو بالوسواس ومناجاة ضمائر الناس، وتزيين الله تعالى الشيء هو بالاختراع وخلق محبته والتلبس به في نفس العبد.