التفاسير

< >
عرض

وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ
١٢
-سبأ

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قال الحسن: عقر سليمان الخيل أسفاً على ما فوتته من فضل وقت صلاة العصر فأبدله الله تعالى خيراً منها وأسرع الريح تجري بأمره، وقرأ جمهور القراء "الريحَ" بالنصب على معنى ولسليمان سخرنا الريح، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر والأعرج "الريحُ" بالرفع على تقديره تسخرت الريح أو على الابتداء والخبر في المجرور، وذلك على حذف مضاف تقديره ولسليمان تسخير الريح، وقرأ الحسن "ولسليمان تسخير الرياح" وكذلك جمع في كل القرآن، وقوله تعالى: { غدوها شهر ورواحها شهر } قال قتادة معناه أنها كانت تقطع به في الغدو إلى قرب الزوال مسيرة شهر وتقطع به في الرواح من بعد الزوال إلى الغروب مسيرة شهر، فروي عن الحسن البصري أنه قال كان يخرج من الشام من مستقره تدمر التي بنتها له الجن بالصفاح والعمد فيقيل في اصطخر ويروح منها فيبيت في كابل من أرض خراسان ونحو هذا، وكانت الأعصار تقل بساطه وتحمله بعد ذلك الرخاء، وكان هذا البساط من خشب يحمل فيما روي أربعة آلاف فارس وما يشبهها من الرجال والعدد ويتسع بهم، وروي أكثر من هذا بكثير ولكن عدم صحته مع بعد شبهه أوجب اختصاره.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"خير الجيوش أربعة آلاف" وما كان سليمان ليعدو الخير، وقرأ ابن أبي عبلة "غدوتها شهر وروحتها شهر" وكان إذا أراد قوماً لم يشعروا به حتى يظلمهم في جو السماء، وقوله تعالى: { وأسلنا له عين القطر }، روي عن ابن عباس وقتادة أنه كانت تسيل له باليمن عين جارية من نحاس يصنع له منها جميع ما أحب، و { القطر }: النحاس، وقالت فرقة { القطر } الفلز كله النحاس والحديد وما جرى مجراه، كان يسيل له منه عيون، وقالت فرقة بل معنى { أسلنا له عين القطر } أذبنا له النحاس عن نحو ما كان الحديد يلين لداود، قالوا وكانت الأعمال تتأتى منه لسليمان وهو بارد دون نار، و { عين } على هذا التأويل بمعنى الذات، وقالوا لم يلن النحاس ولاذاب لأحد قبله، وقوله { من يعمل } يحتمل أن { من } تكون في موضع نصب على الاتباع لما تقدم بإضمار فعل تقديره وسخرنا من الجن من يعمل، ويحتمل أن تكون في موضع رفع على الابتداء والخبر في المجرور، و { يزغ } معناه يمل أي ينحرف عاصياً، وقال { عن أمرنا } يقل عن إرادتنا لأنه لا يقع في العالم شيء يخالف الإرادة، ويقع ما يخالف الأمر، قال الضحاك وفي مصحف عبد الله "ومن يزغ عن أمرنا" بغير { منهم }، وقوله تعالى: { من عذاب السعير } قيل عذاب الآخرة، وقيل بل كان قد وكل بهم ملك وبيده سوط من نار السعير، فمن عصى ضربه فأحرقه به.