التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ
٣٥
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ
٣٦
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ
٣٧
-فاطر

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ المقامة } الإقامة، وهو من أقام، و"المَقامة" بفتح الميم القيام وهو من قام، و { دار المقامة } الجنة، و"النصب" تعب البدن، و"اللغوب" تعب النفس اللازم عن تعب البدن، وقال قتادة "اللغوب" الوجع، وقرأ الجمهور "لُغوب" بضم اللام، وقرأ علي بن أبي طالب والسلمي "لَغوب" بفتح اللام أي شيء يعيينا، ويحتمل أن يكون مصدراً كالولوع والوضوء، ثم أخبر عن حال { الذين كفروا } معادلاً بذلك الإخبار قبل عن الذين اصطفى، وهذا يؤيد تأويل من قبل إن الأصناف الثلاثة هي كلها في الجنة لأن ذكر الكافرين إنما جاء ها هنا، وقوله { لا يقضى } معناه لا يجهز لأنهم لو ماتوا لبطلت حواسهم فاستراحوا، وقرأ الحسن البصري والثقفي "فيموتون" ووجهها العطف على { يقضى } وهي قراءة ضعيفة، وقوله { لا يخفف عنهم من عذابها } لا يعارضه قوله { { كلما خبت زدناهم سعيراً } [الإسراء: 97] لأن المعنى لا يخفف عنهم نوع عذابهم والنوع في نفسه يدخله أن يخبو أو يسعر ونحو ذلك، وقرأ جمهور القراء، "نجزي" بنصب "كلَّ" وبالنون في "نجزي"، وقرأ أبو عمرو ونافع "يُجزى" بضم الياء على بناء الفعل للمفعول "كلُّ كفور" برفع "كلُّ"، و { يصطرخون } يفتعلون من الصراخ أصله يصترخون فأبدلت التاء طاء لقرب مخرج الطاء من الصاد، وفي الكلام محذوف تقديره يقولون { ربنا } وطلبوا الرجوع إلى الدنيا في مقالتهم هذه فالتقدير فيقال لهم { أو لم نعمركم } على جهة التوقيف والتوبيخ، و { ما } في قوله { ما يتذكر } ظرفية، واختلف الناس في المدة التي هي حد للتذكير، فقال الحسن بن أبي الحسن: البلوغ، يريد أنه أول حال التذكر، وقال قتادة: ثمان عشرة سنة، وقالت فرقة: عشرون سنة، وحكى الزجاج: سبع عشرة سنة، وقال ابن عباس: أربعون سنة، وهذا قول حسن، ورويت فيه آثار، وروي أن العبد إذا بلغ أربعين سنة ولم يتب مسح الشيطان على وجهه وقال بابي وجه لا يفلح، وقال مسروق بن الأجدع: من بلغ أربعين سنة فليأخذ حذره من الله ومنه قول الشاعر: [الطويل]

إذا المرء وفّى الأربعين ولم يكنْ له دون ما يأتي حياءٌ ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي ارتأى وإن جر أسْباب الحياة له العمر

وقد قال قوم: الحد خمسون سنة وقد قال الشاعر: [الوافر]

أخو الخمسين مجتمع أشدي ونجدني مداومة الشؤون

وقال الآخر: [الطويل]

وإن امرأً قد سار خمسين حجة إلى منهل من ورده لقريب

وقال ابن عباس أيضاً وغيره: الحد في ذلك ستون وهي من الأعذار، وهذا أيضاً قول حسن متجه، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة نودي أين أبناء الستين" وهو العمر الذي قال الله فيه ما يتذكر فيه من تذكر، وقال صلى الله عليه وسلم: "عمره الله ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر" ، وقرأ جمهور الناس "ما يتذكر فيه من تذكر"، وقرأ الأعمش "ما يذكر فيه من أذكر"، و { النذير } في قول الجمهور الأنبياء وكل نبي نذير أمته ومعاصره، ومحمد صلى الله عليه وسلم نذير العالم في غابر الزمان، وقال الطبري وقيل { النذير } الشيب وهذا قول حسن، إلا أن الحجة إنما تقوم بالنذارة الشرعية وباقي الآية بين.