التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ
١٥٨
سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ
١٥٩
إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ
١٦٠
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ
١٦١
مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ
١٦٢
إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ
١٦٣
وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ
١٦٤
وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ
١٦٥
وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ
١٦٦
وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ
١٦٧
لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ
١٦٨
لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ
١٦٩
-الصافات

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

الضمير في قوله { وجعلوا } لفرقة من كفار قريش والعرب، قال ابن عباس في كتاب الطبري إن بعضهم قال إن الله تعالى وإبليس أخوان، وقال مجاهد: قال قوم لأبي بكر الصديق: إن الله تعالى نكح في سروات الجن، وقال بعضهم إن الملائكة بناته، فـ { الجنة } على هذا القول الأخير يقع على الملائكة سميت بذلك لأنها مستجنة أي مستترة، وقوله تعالى: { ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون } من جعل الجنة الشياطين جعل العلامة في { علمت } لها، والضمير في { إنهم } عائد عليهم أي جعلوا الشياطين بنسب من الله والشياطين تعلم ضد ذلك من أنها ستحضر أمر الله وثوابه وعقابه، ومن جعل الجنة الملائكة جعل الضمير في { إنهم } للقائلين هذه المقالة أي علمت الملائكة أن هؤلاء الكفرة سيحضرون ثواب الله وعقابه وقد يتداخل هذان القولان، ثم نزه تعالى نفسه عما يصفه الناس ولا يليق به، ومن هذا استثنى العباد المخلصين لأنهم يصفونه بصفاته العلى، وقالت فرقة استثناهم من قوله { إنهم لمحضرون }.
قال القاضي أبو محمد: وهذا يصح على قول من رأى الجنة الملائكة، وقوله تعالى: { فإنكم وما تعبدون } بمعنى قل لهم يا محمد إنكم وأصنامكم ما أنتم بمضلين أحداً بسببها، وعليها الأمر سبق عليه القضاء وضمه القدر، بأنه يصلى الجحيم في الآخرة، وليس عليكم إضلال من هدى الله تعالى، وقالت فرقة { عليه }، بمعنى به، و"الفاتن" المضل في هذا الموضع وكذلك فسر ابن عباس والحسن بن أبي الحسن، وقال ابن الزبير على المنبر: إن الله هو الهادي والفاتن، و { من } في موضع نصب { بفاتنين }، وقرأ الجمهور "صالِ الجحيم" بكسر اللام، من صال حذفت الياء للإضافة، وقرأ الحسن بن أبي الحسن "صالُ الجحيم" بضم اللام وللنحاة في معناه اضطراب، أقواه أنه صالون حذفت النون للإضافة، ثم حذفت الواو للالتقاء وخرج لفظ الجميع بعد لفظ الإفراد، فهو كما قال
{ { ومنهم من يستمعون } [يونس: 42] لما كانت "من" و "هو" من الأسماء التي فيها إبهام ويكنى بها عن أفراد وجمع ثم حكى قول الملائكة، { وما منا } وهذا يؤيد أن الجنة أراد بها الملائكة كأنه قال ولقد علمت كذا أو أن قولها لكذا، وتقدير الكلام ما منا ملك، وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن السماء ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو واقف يصلي"، وقال ابن مسعود "موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو قدماه"، وقرأ ابن مسعود "وإن كلنا لما له مقام معلوم"، و { الصافون } معناه الواقفون صفوفاً، و { المسبحون } يحتمل أن يريد به الصلاة، يحتمل أن يريد به قول سبحان الله، وروي عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا أقيمت الصلاة صرف وجهه إلى الناس فيقول لهم: عدلوا صفوفكم وأقيموها فإن الله تعالى إنما يريد بكم هدي الملائكة، فإنها تقول { وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون }، ثم يرى تقويم الصفوف، وعند ذلك ينصرف ويكبر، قال الزهراوي: قيل إن المسلمين إنما اصطفوا منذ نزلت هذه الآية، ولا يصطف أحد من أهل الملل غير المسلمين، ثم ذكر عز وجل مقالة بعض الكفار، وقال قتادة والسدي والضحاك فإنهم قبل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم قالوا لو كان لنا كتاب أو جاءنا رسول لكنا من أتقى عباد الله وأشدهم إخلاصاً فلما جاءهم محمد كفروا فاستوجبوا أليم العقاب.