التفاسير

< >
عرض

صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ
١
بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ
٢
كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ
٣
وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ
٤
أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ
٥

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قرأ الحسن وأبي بن كعب وابن أبي إسحاق: "صادِ" بكسر الدال على أنه أمر من صادى يصادي إذا ضاهى وماثل، أي صار كالصدى الذي يحكي الصياح، والمعنى: ماثل القرآن بعلمك وقارنه بطاعتك، وهكذا فسر الحسن، أي انظر أين عملك منه، وقال جمهور الناس: إنه حرف المعجم المعروف، ويدخله ما يدخل سائر أوائل السور من الأقوال، ويختص هذا الموضع بأن قال بعض الناس: معناه صدق محمد، وقال الضحاك معناه: صدق الله، وقال محمد بن كعب القرظي: هو مفتاح أسماء الله: صمد صادق الوعد، صانع المصنوعات، وقرأها الجمهور: "صادْ" بسكون الدال، وقرأ ابن أبي إسحاق بخلاف عنه "صادٍ" بكسر الدال وتنوينها على القسم، كما تقول: الله لأفعلن. وحكى الطبري وغيره عن ابن أبي إسحاق: "صادِ" بدون تنوين، وألحقه بقول العرب: خاث باث، وخار وباز. وقرأت فرقة منها عيسى بن عمر: "صادَ" بفتح الدال، وكذلك يفعل في نطقه بكل الحروف، يقول: قافَ، ونونَ، ويجعلها كأين وليت: قال الثعلبي، وقيل معناه: صاد محمد القلوب، بأن استمالها للإيمان.
وقوله: { والقرآن ذي الذكر } قسم. وقال السدي وابن عباس وسعيد بن جبير، معناه ذي الشرف الباقي المخلد. وقال قتادة والضحاك: ذي التذكرة للناس والهداية لهم. وقالت فرقة معناه: ذي الذكر لأمم والقصص والغيوب. وأما جواب القسم فاختلف فيه، فقالت فرقة: الجواب في قوله: { ص } إذ هو بمعنى صدق محمد، أو صدق الله. وقال الكوفيون والزجاج، الجواب قوله:
{ { إن ذلك لحق تخاصم أهل النار } [ص: 64]. وقال بعض البصريين ومنهم الأخفش، الجواب في قوله: { { إن كل إلا كذب الرسل } } [ص: 14].
قال القاضي أبو محمد :وهذان القولان بعيدان.
وقال قتادة والطبري: الجواب مقدر قبل بل، وهذا هو الصحيح، تقديره: والقرآن ما الأمر كما يزعمون، ونحو هذا من التقدير فتدبره. وحكى الزجاج عن قوم أن الجواب قوله: { كم أهلكنا } وهذا متكلف جداً. والعزة هنا: المعازة والمغالبة. والشقاق: نحوه أي هم في شق، والحق في شق. و: { كم } للتكثير، وهي خبر فيه مثال ووعيد، وهي في موضع نصب بـ { أهلكنا }. والقرن الأمة من الناس يجمعها زمن احد، وقد تقدم تحريره مراراً.
وقوله: { فنادوا } معناه: مستغيثين، والمعنى أنهم فعلوا ذلك بعد المعاينة فلم ينفع ذلك، ولم يكن في وقت نفع. { ولات } بمعنى: ليس، واسمها مقدر عند سيبويه، تقديره ولات الحين حين مناص، وهي: لا (لحقتها: تاء، كما تقول) ربت وثمت. قال الزجاج: وهي كتاء جلست وقامت، تاء الحروف كتاء الأفعال دخلت على ما لا يعرب في الوجهين، ولا تستعمل "لا" مع التاء إلا في الحين والزمان والوقت ونحوه، فمن ذلك قول الشاعر [محمد بن عيسى بن طلحة]: [الكامل]

لات ساعة مندم

وقال الآخر: [الوافر]

تذكر حب ليلى لات حينا وأضحى الشيب قد قطع القرينا

وأنشد بعضهم في هذا المعنى: [الخفيف]

طلبوا صلحنا ولات أوان فأجبنا أن ليس حين بقاء

وأنشد الزجاج بكسر التاء، وهذا كثير، قراءة الجمهور: فتح التاء من: "لاتَ" والنون من: "حينَ" وروي عن عيسى كسر التاء من: "لاتِ" ونصب النون. وروي عنه أيضاً: "حينِ" بكسر النون، واختلفوا في الوقف على: { لات } فذكر الزجاج أن الوقف بالتاء، ووقف الكسائي بالهاء، ووقف قوم واختاره أبو عبيد على "لا"، وجعلوا التاء موصولة بـ { حين }، فقالوا "لا تحين"، وذكر أبو عبيد أنها كذلك في مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويحتج لهذا بقول أبي وجزة: [الكامل]

العاطفون تحين ما من عاطف والمطعمون زمان ما من مطعم

يمدح آل الزبير. وقرأ بعض الناس: "لات حينُ" برفع النون من: { حين } على إضمار الخبر. والمناص: المفر، ناص ينوص، إذا فات وفر، قال ابن عباس: المعنى ليس بحين نزو ولا فرار ضبط القوم. والضمير في: { عجبوا } لكفار قريش، واستغربوا أن نبىء بشر منهم فأنذرهم، وأن وحد إلهاً، وقالوا: كيف يكون إله واحد يرزق الجميع وينظر في كل أمرهم؟ و: { عجاب } بناء مبالغة، كما قالوا سريع وسراع، وهذا كثير.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعيسى بن عمر: "عجّاب" بشد الجيم، ونحوه قول الرجز: [الراجز]

جاؤوا بصيد عجب من العجب أزيد والعينين طوال الذنب

وقد قالوا: رجل كرام، أي كريم.