التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ
٤٥
إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ
٤٦
وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ
٤٧
وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ
٤٨
هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ
٤٩
جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ
٥٠
مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ
٥١
وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ أَتْرَابٌ
٥٢
هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ
٥٣
إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ
٥٤

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قرأ ابن كثير: "واذكر عبدنا" على الإفراد، وهي قراءة ابن عباس وأهل مكة. وقرأ الباقون: "واذكر عبادنا" على الجمع، فأما على هذه القراءة فدخل الثلاثة في الذكر وفي العبودية، وأما على قراءة من قرأ "عبدنا"، فقال مكي وغيره: دخلوا في الذكر ولم يدخلوا في العبودية إلا من غير هذه الآية وفي هذا نظر.
وتأول قوم من المتأولين من هذه الآية أن الذبيح { إسحاق } من حيث ذكره الله بعقب ذكر أيوب أنبياء امتحنهم بمحن كما امتحن أيوب، ولم يذكر إسماعيل لأنه ممن لم يمتحن، وهذا ضعيف كله وقرأ الجمهور: "أولي الأيدي".
وقرأ الحسن والثقفي والأعمش وابن مسعود: "أولي الأيد"، بحذف الياء، فأما أولو فهو جمع ذو، وأما القراءة الأولى فـ"الأيدي" فيها عبارة عن القوة في طاعة الله، قاله ابن عباس ومجاهد، وقالت فرقة بل هي عبارة عن القوة في طاعة الله، قاله ابن عباس ومجاهد، وقالت فرقة بل هي عبارة عن إحسانهم في الدين وتقديمهم عند الله تعالى أعمال صدق، فهي كالأيادي. وقالت فرقة: بل معناه: أولي الأيد والنعم التي أسداها الله إليهم من النبوءة والمكانة. وقال قوم المعنى: أيدي الجوارح، والمراد الأيدي المتصرفة في الخير والأبصار الثاقبة فيه، لا كالتي هي منهملة في جل الناس، وأما من قرأ "الأيد" دون ياء فيحتمل أن يكون معناها معنى القراءة بالياء وحذفت تخفيفاً، ومن حيث كانت الألف واللام تعاقب التنوين وجب أن تحذف معها كما تحذف مع التنوين. وقالت فرقة: معنى "الأيدي"، القوة، والمراد طاعة الله تعالى.
وقوله تعالى: { والأبصار } عبارة عن البصائر، أي يبصرون الحقائق وينظرون بنور الله تعالى، وبنحو هذا فسر الجميع.
وقرأ نافع وحده: "إنا أخلصناهم بخالصةِ ذكرى الدار" على إضافة "خالصةِ" إلى { ذكرى }، وهي قراءة أبي جعفر والأعرج وشيبة. وقرأ الباقون والناس: "بخالصةٍ ذكر الدار" على تنوين "خالصة"، وقرأ الأعمش: "بخالصتهم ذكر الدار"، وهي قراءة طلحة.
وقوله: { بخالصة } يحتمل أن يكون خالصة اسم فاعل كأنه عبر بها عن مزية أو رتبة، فأما من أضافها إلى "ذكرى"، فـ { ذكرى } مخفوض بالإضافة، ومن نون "خالصةٍ"، فـ { ذكرى } بدل من "خالصة"، ويحتمل قوله: { بخالصة } أن يكون "خالصة" مصدراً كالعاقبة وخائنة الأعين وغير ذلك، فـ { ذكرى } على هذا ما أن يكون في موضع نصب بالمصدر على تقدير: { إنا أخلصناهم } بأن أخلصنا لهم ذكرى الدار، ويكون "خالصة" مصدراً من أخلص على حذف الزوائد، وإما أن يكون { ذكرى } في موضع رفع بالمصدر على تقدير { إنا أخلصناهم } بأن خلصت لهم ذكرى الدار، وتكون "خالصة" من خلص. و { الدار } في كل وجه في موضع نصب بـ { ذكرى }، و { ذكرى } مصدر، وتحتمل الآية أن يريد بـ { الدار } دار الآخر على معنى { أخلصناهم }، بأن خلص لهم التذكير بالدار الآخرة ودعاء الناس إليها وحضهم عليها، وهذا قول قتادة، وعلى معنى خلص لهم ذكرهم للدار الآخرة وخوفهم لها والعمل بحسب قول مجاهد. وقال ابن زيد: المعنى إنا وهبناهم أفضل ما في الدار الآخرة وأخلصناهم به وأعطيناهم إياه، ويحتمل أن يريد بـ { الدار } دار الدنيا على معنى ذكر الثناء والتعظيم من الناس والحمد الباقي الذي هو الخلد المجازي، فتجيء الآية في معنى قوله:
{ { لسان صدق } [مريم: 50، الشعراء:84] وفي معنى قوله: { { وتركنا عليه في الآخرين } [الصافات: 78، 108، 119، 129 }. و { المصطفين } أصله: المصطفيين، تحركت الياء وما قبلها مفتوح فانقلبت ألفاً، ثم اجتمع سكون الألف وسكون الياء التي هي علامة الجمع، فحذفت الألف. و { الأخيار } جمع خير، وخير: مخفف من خير كميت وميت.
وقرأ حمزة والكسائي: "والليسع"، كأنه أدخل لام التعريف على { اليسع }، فأجراه مجرى ضيغم ونحوه، وهي قراءة علي بن أبي طالب والكوفيين. وقرأ الباقون: "واليسع"، قال أبو علي: الألف واللام فيه زائدتان غير معرفتين كما هي في قول الشاعر: [الكامل]

ولقد جنيتك أكمؤاً وعساقلاً ولقد نهيتك عن بنات الأوبر

وبنات الأوبر: ضرب من الكمأة. واختلف في نبوة "ذي الكفل"، وقد تقدم تفسير أمره وقوله تعالى: { هذا ذكر } يحتمل معنيين: أحدهما أن يشير إلى مدح من ذكر وإبقاء الشرف له، فيتأيد بهذا التأويل قول من قال آنفاً: إن { الدار } يراد بها الدار الدنيا. والثاني: أن يشير بهذا إلى القرآن، إذ هو ذكر للعالم. و"المآب": المرجع حيث يؤوبون. و { جنات } بدل من "حسن" و { مفتحة } نعت للجنات. و { الأبواب } مفعول لم يسم فاعله، والتقدير عند الكوفيين: مفتحة لهم أبوابها، ولا يجوز ذلك عند أهل البصرة، والتقدير عندهم: الأبواب منها، وإنما دعا إلى هذا الضمير أن الصفة لا بد أن يكون فيها عائداً على الموصوف. و { قاصرات الطرف } قال قتادة معناه: على أزواجهن. و { أتراب } معناه أمثال، وأصله في بني آدم أن تكون الأسنان واحدة، أي مست أجسادهم التراب في وقت واحد.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: "يوعدون" بالياء من تحت، واختلفا في سورة: (ق)، فقرأها أبو عمرو بالتاء من فوق. وقرأ الباقون في السورتين بالتاء من فوق. والنفاذ: الفناء والانقضاء.