التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٥٣
وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
٥٤
وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ
٥٥
-الزمر

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذه الآية عامة في جميع الناس إلى يوم القيامة في كافر ومؤمن، أي إن توبة الكافر تمحو ذنوبه، وتوبة العاصي تمحو ذنبه. واختلف هل يكون في المشيئة أو هو مغفور له ولا بد؟ فقالت فرقة من أهل السنة: هو مغفور له ولا بد، وهذا مقتضى ظواهر القرآن، وقالت فرقة: التائب في المشيئة، لكن يغلب الرجاء في ناحيته، والعاصي في المشيئة، لكن يغلب الخوف في ناحيته.
واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية، فقال عطاء بن يسار: نزلت في وحشي قاتل حمزة. وقال قتادة والسدي وابن أبي إسحاق: نزلت في قوم بمكة آمنوا ولم يهاجروا وفتنهم قريش فافتتنوا، ثم ندموا وظنوا أنهم لا توبة لهم فنزلت الآية فيهم، منهم الوليد بن الوليد، وهشام بن العاصي، وهذا قول عمر بن الخطاب وأنه كتبها بيده إلى هشام بن العاصي الحديث. وقالت فرقة: نزلت في قوم كفار من أهل الجاهلية، قالوا: وما ينفعنا الإسلام ونحن قد زنينا وقتلنا الناس وأتينا كل كبيرة فنزلت الآية فيهم. وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عمر: هذه أرجى آية في القرآن. وروى ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال:
"ما أحب أن لي الدنيا بما فيها بهذه الآية" ، { يا عبادي } و: { أسرفوا } معناه: أفرطوا وتعدوا الطور. والقنط. أعظم اليأس.
وقرأ نافع وجمهور الناس: "تقَنطوا" بفتح النون. قال أبو حاتم: يلزمهم أن يقرؤوا:
{ { من بعد ما قنطوا } [الشورى: 28] بالكسر، ولم يقرأ به أحد. وقرأ الأشهب العقيلي بضم النون. وقرأ أبوعمرو وابن وثاب بكسرها، وهي لغات.
وقوله: { إن الله يغفر الذنوب جميعاً } عموم بمعنى الخصوص، لأن الشرك ليس بداخل في الآية إجماعاً، وهي أيضاً في المعاصي مقيدة بالمشيئة. و { جميعاً } نصب هلى الحال. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: "إن الله يغفر الذنوب جميعاً ولا يبالي". وقرأ ابن مسعود: "إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء". { وأنيبوا } معناه: ارجعوا وميلوا بنفوسكم، والإنابة: الرجوع بالنفس إلى الشيء.
وقوله: { من قبل أن يأتيكم العذاب } توعد بعذاب الدنيا والآخرة.
وقوله تعالى: { واتبعوا أحسن } معناه: أن القرآن العزيز تضمن عقائد نيرة وأوامر ونواهي منجية وعدات على الطاعات والبر وحدوداً على المعاصي ووعيداً على بعضها، فالأحسن أن يسلك الإنسان طريق التفهم والتحصيل، وطريق الطاعة والانتهاء والعفو في الأمور ونحو ذلك، فهو أحسن من أن يسلك طريق الغفلة والمعصية فيجد أو يقع تحت الوعيد، فهذا المعنى هو المقصود بـ { أحسن }، وليس المعنى أن بعض القرآن أحسن من بعض من حيث هو قرآن، وإنما هو أحسن كله بالإضافة إلى أفعال الإنسان وما يلقى من عواقبها. قال السدي: الأحسن هو ما أمر الله تعالى به في كتابه. و: { بغتة } معناه: فجأة وعلى غير موعد. و: { تشعرون } مشتق من الشعار.