التفاسير

< >
عرض

إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قَالُوۤاْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ
٤٧
وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ
٤٨
لاَّ يَسْأَمُ ٱلإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ
٤٩
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ
٥٠
-فصلت

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

المعنى: أن وقت علم الساعة ومجيئها يرده كل مؤمن متكلم فيه إلى الله عز وجل. وذكر تعالى الثمار وخروجها من الأكمام وحمل الإناث مثالاً لجميع الأشياء، إذ كل شيء خفي فهو في حكم هذين.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي والحسن وطلحة والأعمش: "من ثمرة" بالإفراد على أنه اسم جنس. وقرأ نافع وابن عامر: "ثمرات" بالجمع، واختلف عن عاصم وهي قراءة أبي جعفر وشيبة والأعرج والحسن بخلاف، وفي مصحف عبد الله: "في ثمرة من أكمامها". والأكمام: جمع كم، وهو غلاف التمر قبل ظهوره.
وقوله تعالى: { ويوم يناديهم } تقديره: واذكر يوم يناديهم والضمير في: { يناديهم } ظاهره والأسبق فيه أنه يريد به الكفار عبدة الأوثان. ويحتمل أن يريد به كل من عبد من دون الله من إنسان وغيره، وفي هذا ضعف، وإنما الضمير في قوله: { وضل عنهم } فلا احتمال لعودته إلا على الكفار. و: { آنذاك } قال ابن عباس وغيره معناه: أعلمناك { ما منا من شهيد } ولا من يشهد بأن لك شريكاً. { وضل عنهم } أي نسوا ما كانوا يقولون في الدنيا ويدعون من الآلهة والأصنام، ويحتمل أن يريد: { وضل عنهم } الأصنام، أي تلفت لهم فلم يجدوا منها نصراً وتلاشى لهم أمرها.
وقوله: { وظنوا } يحتمل أن يكون متصلاً بما قبله ويكون الوقف عليه، ويكون قوله: { ما لهم من محيص } استئناف نفي أن يكون لهم منجى أو موضع روغان، يقول: حاص الرجل: إذا راغ يطلب النجاة من شيء، ومنه الحديث: فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، ويكون الظن على هذا التأويل على بابه، أي ظنوا أن هذه المقالة: { ما منا من شهيد } منجاة لهم، أو أمر يموهون به، ويحتمل أن يكون الوقف في قوله: { من قبل }، ويكون: { وظنوا } متصلاً بقوله: { ما لهم من محيص } أي ظنوا ذلك، ويكون الظن على هذا التأويل بمعنى اليقين وبه فسر السدي، وهذه عبارة يطلقها أهل اللسان على الظن، ولست تجد ذلك إلا فيما علم علماً قوياً وتقرر في النفس ولم يتلبس به بعد، وإلا فمتى تلبس بالشيء وحصل تحت إدراك الحواس فلست تجدهم يوقعون عليه لفظة الظن.
وقوله تعالى: { لا يسئم الإنسان } آيات نزلت في كفار قريش، قيل في الوليد بن المغيرة، وقيل في عتبة بن ربيعة، وجل الآية يعطي أنها نزلت في كفار وإن كان أولها يتضمن خلقاً ربما شارك فيه بعض المؤمنين. و: { دعاء الخير } إضافته المصدر إلى المفعول، والفاعل محذوف تقديره: من دعاء الخير هو. وفي مصحف ابن مسعود: "من دعاء بالخير". و { الخير } في هذه الآية: المال والصحة، وبذلك تليق الآية بالكافر، وإن قدرناه خير الآخرة فهي للمؤمن، وأما اليأس والقنط على الإطلاق فمن صفة الكافر وحده.
وقوله تعالى: { ليقولن هذا لي } أي بعلمي وبما سعيت، ولا يرى أن النعم إنما هي بتفضل من الله تعالى: { وما أظن الساعة قائمة } قول بيّن فيه الجحد والكفر. ثم يقول هذا الكافر، ولئن كان ثم رجوع كما تقولون، لتكونن لي حال ترضيني من غنى ومال وبنين، فتوعدهم الله تعالى بأنه سيعرفهم بأعمالهم الخبيثة مع إذاقتهم العذاب عليها، فهذا عذاب وخزي. وغلظ العذاب شدته وصعوبته. وقال الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: للكافر أمنيتان، أما في دنياه فهذه: { إن لي عنده للحسنى }. وأما في آخرته:
{ { فيا ليتني كنت تراباً } [النبأ: 40].
قال القاضي أبو محمد: والأماني على الله تعالى وترك الجد في الطاعة مذموم لكل أحد، فقد قال عليه السلام:
" الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله" .