لما تقرر في التي قبل هذه أن الله يجزي قوماً بكسبهم ويعاقبهم بذنوبهم واجترامهم، أكد ذلك بقوله
تعالى: {من عمل صالحاً فلنفسه}.
وقوله: {فلنفسه} هي لام الحظ، لأن الحظوظ والمحاب إنما يستعمل فيها اللام التي هي كلام
الملك، تقول الأمور لزيد متأتية، وتستعمل في ضد ذلك على، فتقول: الأمور على فلان مستصعبة،
وتقول: لزيد مال وعليه دين، وكذلك جاء العمل الصالح في هذه الآية باللام والإشارة بـ "على".
وقوله تعالى: {ثم إلى ربكم ترجعون} معناه إلى قضائه وحكمه، و {الكتاب} في قوله: {آتينا
بني إسرائيل الكتاب} هو التوراة. {والحكم} هو السنة والفقه، فيقال إنه لم يتسع فقه الأحكام على لسان
نبي ما اتسع على لسان موسى عليه السلام: {والنبوءة} هي ما تكرر فيهم من الأنبياء.
وقوله تعالى: {ورزقناهم من الطيبات} يعني المستلذات الحلال، وبهذين تتم النعمة ويحسن
تعديدها، وهذه إشارة إلى المن والسلوى، وطيبات الشام بعد، إذ هي الأرض المباركة، وقد تقدم القول
في معنى {الطيبات}، وتلخيص قول مالك والشافعي في ذلك.
وقوله تعالى: {على العالمين} يريد على عالم زمانهم. والبينات من الأمر: هو الوحي الذي فصلت
لهم به الأمور.
ثم أوضح تعالى خطأهم وعظمه بقوله: {فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم} وذلك
أنهم لو اختلفوا اجتهاداً في طلب صواب لكان لهم عذر في الاختلاف، وإنما اختلفوا بغياً وقد تبينوا
الحقائق، ثم توعدهم تعالى بوقف أمرهم على قضائه بينهم يوم القيامة.