التفاسير

< >
عرض

وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً
٢٠
وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً
٢١
وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً
٢٢
سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً
٢٣
وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً
٢٤
-الفتح

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قوله تعالى: { وعدكم الله } الآية مخاطبة للمؤمنين ووعد بجميع المغانم التي أخذها المسلمون ويأخذونها إلى يوم القيامة، قاله مجاهد وغيره.
وقوله: { فعجل لكم هذه } يريد خيبر، وقال زيد بن أسلم وابنه، المغانم الكثيرة: خيبر، و: { هذه } إشارة إلى البيعة والتخلص من أمر قريش، وقاله ابن عباس: وقوله { وكف أيدي الناس عنكم } يريد من ولي عورة المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين منها، وذلك أنه كان من أحياء العرب ومن اليهود من يعادي وكانت قد أمكنتهم فرصة فكفهم الله عن ذراري المسلمين وأموالهم، وهذه للمؤمنين العلامة على أن الله ينصرهم ويلطف لهم، قاله قتادة. وحكى الثعلبي أنه قال: كف الله غطفان ومن معها عن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاؤوا لنصر أهل خيبر، وذكره النقاش وقال الثعلبي أيضاً عن بعضهم إنه أراد كف قريش.
وقوله: { وأخرى لم تقدروا عليها } قال عبد الله بن عباس: الإشارة إلى بلاد فارس والروم. وقال الضحاك: الإشارة إلى خيبر. وقال قتادة والحسن: الإشارة إلى مكة، وهذا هو القول الذي يتسق معه المعنى ويتأيد.
وقوله: { قد أحاط الله بها } معناه بالقدرة والقهر لأهلها، أي قد سبق في علمه ذلك وظهر فيها أنهم لم يقدروا عليها.
وقوله: { ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار } إشارة إلى قريش ومن والاها في تلك السنة، قاله قتادة، وفي هذا تقوية لنفوس المؤمنين، وقال بعض المفسرين: أراد الروم وفارس.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وإنما الإشارة إلى العدو الأحضر.
وقوله: { سنة الله } إشارة إلى وقعة بدر، وقيل إشارة إلى عادة الله من نصر الأنبياء قديماً، ونصب { سنة } على المصدر، ويجوز الرفع ولم يقرأ به.
وقوله تعالى: { وهو الذي كف أيديهم } الآية، روي في سببها أن قريشاً جمعت جماعة من فتيانها وجعلوهم مع عكرمة بن أبي جهل وخرجوا يطلبون غرة في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلف الناس في عدد هؤلاء اختلافاً متفاوتاً، فلذلك اختصرته فلما أحس بهم المسلمون بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم خالد بن الوليد وسماه حينئذ سيف الله في جملة من المسلمين، ففروا أمامهم حتى أدخلوهم بيوت مكة وأسروا منهم جملة، فسيقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن عليهم وأطلقهم، فهذا هو أن كف الله أيديهم عن المسلمين بالرعب وكف أيدي المسلمين عنهم بالنهي في بيوت مكة وغيرها وذلك هو "بطن مكة". وقال قتادة: أسر النبي الله صلى الله عليه وسلم هذه الجملة بالحديبية عند عسكره ومن عليهم، وذلك هو "بطن مكة". قال النقاش: الحرام كله { مكة }، والظفر عليهم هو أسر من أسر منهم، وباقي الآية تحريض على العمل الصالح، لأن من استشعر أن الله يبصر عمله أصلحه.
وقرأ الجمهور من القراء: "بما تعملون" بالتاء على الخطاب. وقرأ أبو عمرو وحده: "بما يعملون" بالياء على ذكر الكفار وتهددهم.