قوله: { فذرهم } وما جرى مجراه من الموادعة منسوخ بآية السيف.
وقرأ أبو جعفر وأبو عمرو بخلاف عنه "يلقوا"، والجمهور على "يلاقوا".
واختلف الناس في اليوم الذي توعدوا به، فقال بعض المتأولين: هو موتهم واحداً واحداً وهذا على
تجوز، والصعق: التعذب في الجملة وإن كان الاستعمال قد كثر فيه فيما يصيب الإنسان من الصيحة
المفرطة ونحوه. ويحتمل أن يكون اليوم الذي توعدوا به يوم بدر، لأنهم عذبوا فيه، وقال الجمهور: التوعد
بيوم القيامة، لأن فيه صعقة تعم جميع الخلائق، لكن لا محالة أن بين صعقة المؤمن وصعقة الكافر فرقاً.
وقرأ جمهور القراء: "يصعِقون" من صعق الرجل بكسر العين. وقرأ أبو عبد الرحمن: "يَصعِقون"
بفتح الياء وكسر العين. وقرأ عاصم وابن عامر وأهل مكة في قول شبل: "يُصعقون" بضم الياء، وذلك من
أصعق الرجل غيره. وحكى الأخفش: صُعِق الرجل بضم الصاد وكسر العين.
قال أبو علي: فجائز أن يكون منه فهو مثل يضربون، قال أبو حاتم: وفتح أهل مكة الياء في قول
إسماعيل. و: { يغني } يكون منه غناء ودفاع.
ثم أخبر تعالى بأنهم لهم دون هذا اليوم، أي قبله عذاب، واختلف الناس في تعيينه، فقال ابن عباس
وغيره: هو بدر والفتح ونحوه. وقال مجاهد: هو الجوع الذي أصاب قريشاً. وقال البراء بن عازب وابن
عباس أيضاً: هو عذاب القبر، ونزع ابن عباس وجود عذاب القبر بهذه الآية. وقال ابن زيد: هو مصائب
الدنيا في الأجسام وفي الأحبة وفي الأموال، هي للمؤمنين رحمة وللكافرين عذاب، وفي قراءة ابن مسعود:
دون ذلك قريباً { ولكن } { لا يعلمون }. ثم أمر تعالى نبيه بالصبر لحكم الله والمضي على نذارته ووعده
بقوله: { فإنك بأعيننا }، ومعناه بإدراكنا وأعين حفظنا وحيطتنا كما تقول: فلان يرعاه الملك بعين، وهذه
الآية ينبغي أن يقررها كل مؤمن في نفسه، فإنها تفسح مضايق الدنيا. وقرأ أبو السمال: "بأعينّا" بنون
واحدة مشددة.
واختلف الناس في قوله: { وسبح بحمد ربك } فقال أبو الأحوص عوف بن مالك: هو التسبيح
المعروف، أن يقول في كل قيام له سبحان الله وبحمده. وقال عطاء: المعنى: حين تقوم من كل مجلس.
وقال ابن زيد: التسبيح هنا هو صلاة النوافل. وقال الضحاك وابن زيد: هذه إشارات إلى الصلاة
المفروضة؛ فـ { حين تقوم }: الظهر والعصر، أي { حين تقوم } من نوم القائلة. { ومن الليل } المغرب
والعشاء. { وإدبار النجوم } الصبح. ومن قال هي النوافل جعل { إدبار النجوم }: ركعتي الفجر، وعلى
هذا القول جماعة كثيرة، منهم عمر وعلي بن أبي طالب وأبو هريرة والحسن رضي الله عنهم. وقد روي
مرفوعاً ومن جعله التسبيح المعروف، جعل قوله: { حين تقوم } مثالاً، أي حين تقوم وحين تقعد وفي كل
تصرفك. وحكى منذر عن الضحاك أن المعنى: { حين تقوم } في الصلاة بعد تكبيرة الإحرام فقل.
"سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك" ، الحديث.
وقرأ سالم بن أبي الجعد ويعقوب: "وأدبار" بفتح الهمزة بمعنى: وأعقاب، ومنه قول الشاعر
[قيس بن الملوح]: [الطويل]
فأصبحت من ليلى الغداة كناظر مع الصبح في أعقاب نجم مغرب
وقرأ جمهور الناس: "وإدبار" بكسر الهمزة.