التفاسير

< >
عرض

كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
١٨
إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ
١٩
تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ
٢٠
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
٢١
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٢٢
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ
٢٣
فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ
٢٤
أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ
٢٥
سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ
٢٦
-القمر

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ عاد } قبيلة وقد تقدم قصصها. وقوله تعالى: { فكيف كان عذابي ونذر }، "كيف" نصب إما على خبر { كان } وإما على الحال. و: { كان } بمعنى وجد ووقع في هذا الوجه. { ونذر } جمع نذير وهو المصدر. وقرأ ورش وحده: "ونذري" بالياء، وقرأ الباقون "ونذر" بغير ياء على خط المصحف. و: "الصرصر" قال ابن عباس وقتادة معناه الباردة وهو الصر. وقال جماعة من المفسرين معناه: المصوتة نحو هذين الحرفين مأخوذ من صوت الريح إذا هبت دفعاً، كأنها تنطق بهذين الحرفين، الصاد والراء، وضوعف الفعل كما قالوا: كبكب وكفكف من كب وكب، وهذا كثير، ولم يختلف القراء في سكون الحاء من "نحْس" وإضافة اليوم إليه إلا ما روي عن الحسن أنه قرأ: "في يومٍ" بالتنوين و: "نحِس" بكسر الحاء. و { مستمر } معناه: متتابع، قال قتادة: استمر بهم ذلك النحس حتى بلغهم جهنم. قال الضحاك في كتاب الثعلبي المعنى كان مراً عليهم، وذكره النقاش عن الحسن، وروي أن ذلك اليوم الذي كان لهم فيه { نحس مستمر } كان يوم أربعاء، وورد في بعض الأحاديث في تفسير هذه الآية: { يوم نحس مستمر }: يوم الأربعاء، فتأول في ذلك بعض الناس أنه يصحب في الزمن كله، وهذا عندي ضعيف وإن كان الدولابي أبو بشر قد ذكر حديثاً رواه أبو جعفر المنصور عن أبيه محمد عن أبيه علي عن أبيه عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آخر أربعاء من الشهر يوم نحس مستمر" ،ويوجد نحو هذا في كلام الفرس والأعاجم، وقد وجد ذكر الأربعاء التي لا تدور في شعر لبعض الخراسانيين المولدين، وذكر الثعلبي عن زر بن حبيش في تفسير هذا اليوم لعاد أنه كل يوم أربعاء لا تدور، وذكره النقاش عن جعفر بن محمد وقال: كان القمر منحوساً بزحل وهذه نزعة سوء عياذاً بالله أن تصح عن جعفر بن محمد.
وقوله: { تنزع الناس } معناه: تنقلهم من مواضعهم نزعاً فتطرحهم. وروي عن مجاهد: أنها كانت تلقي الرجل على رأسه فيتفتت رأسه وعنقه وما يلي ذلك من بدنه فلذلك حسن التشبيه بـ "أعجاز" النخل وذلك أن المنقعر هو الذي ينقلب من قعره. فذلك التشعث والشعب التي لأعجاز النخل، كان يشبهها ما تقطع وتشعث من شخص الإنسان، وقال قوم: إنما شبههم بـ "أعجاز النخل" لأنهم كانوا يحفرون حفراً ليمتنعوا فيها من الريح، فكأنه شبه تلك الحفر بعد النزع بحفر أعجاز النخل، والنخل يذكّر ويؤنث فلذلك قال هنا: { منقعر } وفي غير هذه السورة:
{ { خاوية } [الحاقة: 7] والكاف في قوله: { كأنهم أعجاز } في موضع الحال، قاله الزجاج، وما روي من خبر الخلجان وغيره وقوتهم ضعيف كله، وفائدة تكرار قوله: { فكيف كان عذابي ونذر } التخويف وهز الأنفس قال الرماني: لما كان الإنذار أنواعاً، كرر التذكير والتنبيه، وفائدة تكرار قوله: { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } التأكيد والتحريض وتنبيه الأنفس. وهذا موجود في تكرار الكلام، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا هل بلغت، ألا هل بلغت" . ومثل قوله: "ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا وقول الزور" . وكان صلى الله عليه وسلم إذا سلم على قوم سلم عليهم ثلاثاً، فهذا كله نحو واحد وإن تنوع، و: { ثمود } قبيلة صالح عليه السلام وهم أهل الحجر.
وقرأ الجمهور: "أبشراً منا واحداً" ونصب قوله "بشراً" بإضمار "فهل" يدل عليه قوله: { نتبعه }، و: "واحداً" نعت لـ "بشر". وقرأ أبو السمال: "أبشرٌ منا واحداً نتبعه" ورفعه إما على إضمار فعل مبني للمفعول، التقدير: أينبأ بشر، وإما على الابتداء والخبر في قوله { نتبعه } و: "واحداً" على هذه القراءة إما من الضمير في: { نتبعه } وإما عن المقدر مع: { منا } كأنه يقول: أبشر كائن منا واحداً، وفي هذا نظر. وحكى أبو عمر والداني قراءة أبي السمال: "أبشر منا واحد" بالرفع فيهما.
وهذه المقالة من ثمود حسد منهم واستبعاد منهم أن يكون نوع المبشر يفضل بعضه بعضاً هذا الفضل فقالوا: أنكون جمعاً ونتبع واحداً، ولم يعلموا أن الفضل بيد الله، يؤتيه من يشاء، ويفيض نور الهدى من رضيه.
وقوله: { في ضلال } معناه: في أمر متلف مهلك بالإتلاف، { وسعر } معناه: في احتراق أنفس واستعارها حنقاً وهماً باتباعه، وقيل في السعر: العناء، وقاله قتادة. وقيل الجنون، ومنه قولهم ناقة بمعنى مسعورة، إذا كانت تفرط في سيرها، ثم زادوا في التوقي بقولهم: { أألقي الذكر عليه من بيننا }، و { ألقي } بمعنى أنزل، وكأنه يتضمن عجلة في الفعل، والعرب تستعمل هذا الفعل، ومنه قوله تعالى:
{ { وألقيت عليك محبة مني } [طه: 39] ومنه قوله: { { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } [المزمل: 5]، و { الذكر } هنا: الرسالة وما يمكن أن جاءهم به من الحكمة والموعظة، ثم قالوا: { بل هو كذاب أشر } أي ليس الأمر كما يزعم، والأشر: البطر والمرح، فكأنهم رموه بأنه { أشر }، فأراد العلو عليهم وأن يقتادهم ويتملك طاعتهم فقال الله تعالى لصالح: { سيعلمون غداً } وهذه بالياء من تحت قراءة علي بن أبي طالب وجمهور الناس. وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم وابن وثاب وطلحة والأعمش "ستعلمون" بالتاء على معنى قل لهم يا صالح.
وقوله: { غداً } تقريب يريد به الزمان المستقبل، لا يوماً بعينه، ونحو المثل: مع اليوم غد.
وقرأ جمهور الناس: "الأشِر" بكسر السين كحذِر بكسر الذال. وقرأ مجاهد فيما ذكر عنه الكسائي: "الأشُر" بضم الشين كحذُر بضم الذال، وهما بناءان من اسم فاعل. وقرأ أبو حيوة: "الأشَر" بفتح الشين، كأنه وصف بالمصدر. وقرأ أبو قلابة: "الأشَرّ" بفتح الشين وشد الراء، وهو الأفعل، ولا يستعمل بالألف واللام وهو كان الأصل لكنه رفض تخفيفاً وكثرة استعمال.