التفاسير

< >
عرض

وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ
٤٦
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٧
ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ
٤٨
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٩
فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ
٥٠
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٥١
فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ
٥٢
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٥٣
مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ
٥٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٥٥
فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ
٥٦
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٥٧
-الرحمن

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

"من" في قوله تعالى: { ولمن } يحتمل أن تقع على جميع المتصفين بالخوف الزاجر عن معاصي الله تعالى، ويحتمل أن تقع لواحد منهم وبحسب هذا قال بعض الناس في هذه الآية: إن كل خائف له { جنتان }. وقال بعضهم: جميع الخائفين لهم { جنتان }. والمقام هو وقوف العبد بين يدي ربه يفسره: { { يوم يقوم الناس لرب العالمين } [المطففين: 6] وأضاف المقام إلى الله من حيث هو بين يديه. قال الثعلبي وقيل: { مقام ربه } قيامه على العبد، بيانه: { { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } [الرعد: 33] وحكى الزهراوي هذا المعنى عن مجاهد. وفي هذه الإضافة تنبيه على صعوبة الموقف وتحريض على الخوف الذي هو أسرع المطايا إلى الله عز وجل. وقال قوم: أراد جنة واحدة، وثنى على نحو قوله: { { ألقيا في جهنم } [ق: 24] وقول الحجاج: يا غلام اضربا عنقه.
وقال أبو محمد: هذا ضعيف، لأن معنى التثنية متوجه فلا وجه للفرار إلى هذه الشاذة، ويؤيد التثنية قوله { ذواتا أفنان } وهي تثنية ذات على الأصل. لأن أصل ذات: ذوات.
والأفنان يحتمل أن يكون جمع فنن، وهو فنن الغصن، وهذا قول مجاهد، فكأنه مدحها بظلالها وتكاثف أغصانها ويحتمل أن يكون جمع فن، وهو قول ابن عباس، فكأنه مدحها بكثرة أنواع فواكهها ونعيمها.
و: { زوجان } معناه: نوعان. و: { متكئين } حال إما من محذوف تقديره يتنعمون { متكئين }. وإما من قوله: { ولمن خاف }. والاتكاء جلسة المتنعم المتمتع.
وقرأ جمهور الناس: "فرُش" بضم الراء. وقرأ أبو حيوة: "فرْش" بسكون الراء، وروي في الحديث أنه
" قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه البطائن { من استبرق } فكيف الظواهر؟ قال: هي من نور يتلألأ" .
والاستبرق ما خشن وحسن من الديباج. والسندس: ما رق منه. وقد تقدم القول في لفظة الاستبرق. وقرأ ابن محيصن "من استبرق" على أنه فعل والألف وصل.
والضمير في قوله: { فيهن } للفرش، وقيل للجنات، إذ الجنتان جنات في المعنى. والجنى ما يجتنى من الثمار، ووصفه بالدنو، لأنه فيما روي في الحديث يتناوله المرء على أي حالة كان من قيام أو جلوس أو اضطجاع لأنه يدنو إلى مشتهيه. و: { قاصرات الطرف } هي الحور العين، قصرن ألحاظهن على أزواجهن.
وقرأ أبو عمرو عن الكسائي وحده وطلحة وعيسى وأصحاب علي وابن مسعود: "يطمُثهن" بضم الميم. وقرأ جمهور القراء: "يطمِثهن" بكسر الميم. والمعنى: لم يفتضهن لأن الطمث دم الفرج، فيقال لدم الحيض طمث، ولدم الافتضاض طمث، فإذا نفي الافتضاض، فقد نفي القرب منهن بجهة الوطء. قال الفراء: لا يقال طمث إلا إذا افتض. قال غيره: طمث، معناه: جامع بكراً أو غيرها.
واختلف الناس في قوله: { ولا جان } فقال مجاهد: الجن قد تجامع نساء البشر مع أزواجهن، إذا لم يذكر الزوج الله تعالى، فتنفي هذه الآية جميع المجامعات. وقال ضمرة بن حبيب: الجن لهم { قاصرات الطرف } من الجن نوعهم، فنفى في هذه الآية الافتضاض عن البشريات والجنيات.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل اللفظ أن يكون مبالغة وتأكيداً، كأنه قال: { لم يطمثهن } شيء، أراد العموم التام، لكنه صرح من ذلك بالذي يعقل منه أن يطمث. وقال أبو عبيدة والطبري: إن من العرب من يقول: ما طمث هذا البعير حبل قط، أي ما مسه.
قال القاضي أبو محمد: فإن كان هذا المعنى ما أدماه حبل، فهو يقرب من الأول. وإلا فهو معنى آخر غير الذي قدمناه. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد: "ولا جأن" بالهمز.