التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢
هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٣
هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٤
-الحديد

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قال أكثر المفسرين: التسبيح هنا هو التنزيه المعروف في قولهم: سبحان الله، وهذا عندهم إخبار بصيغة الماضي مضمنه الدوام أن التسبيح مما ذكر دائم مستمر، واختلفوا هل هذا التسبيح حقيقة أو مجاز على معنى أن أثر الصنعة فيها تنبه الرائي على التسبيح، فقال الزجاج وغيره: والقول بالحقيقة أحسن، وقد تقدم القول فيه غير مرة، وهذا كله في الجمادات، وأما ما يمكن التسبيح منه فقول واحد إن تسبيحهم حقيقة، وقال قوم من المفسرين: التسبيح في هذه السورة: الصلاة، وهذا قول متكلف، فأما فيمن يمكن منه ذلك فسائغ، وأما سجود ظلال الكفار هي صلاتهم، وأما في الجمادات فيقلق، وذلك أن خضوعها وخشوع هيئاتها قد يسمى في اللغة سجوداً أو استعارة كما قال الشاعر [زيد الخيل]: [الطويل]

ترى الأكم فيها سُجَّداً للحوافر

ويبعد أن تسمى تلك صلاة الأعلى تحامل.
وقوله: { ما في السماوات والأرض } عام في جميع المخلوقات، وقال بعض النحاة، التقدير: ما في السماوات وما في الأرض، فـ "ما" نكرة موصوفة حذفها وأقام الصفة مقامها، { وهو العزيز } بقدرته وسلطانه، { الحكيم } بلطفه وتدبيره وحكمته. و { ملك السماوات والأرض } هو سلطانها الحقيقي الدائم، لأن ملك البشر مجاز فان.
وقوله تعالى: { وهو على كل شيء قدير } أي على كل شيء مقدور، { هو الأول } الذي ليس لوجوده بداية مفتتحة. { والآخر } الدائم الذي ليس له نهاية منقضية. قال أبو بكر الوراق { هو الأول } بالأزلية، { والآخر } بالأبدية، و { هو الأول } بالوجود، إذ كل موجود فبعده وبه. { والآخر } إذا ترقى العقل في الموجودات حتى يكون إليه منتهاها، قال عز وجل:
{ { وأن إلى ربك المنتهى } [النجم: 42]. { والظاهر } معناه بالأدلة ونظر العقول في صنعته. { والباطن } بلطفه وغوامض حكمته وباهر صفاته التي لا يصل إلى معرفتها على ما هي عليه الأوهام.
ويحتمل أن يريد بقوله: { الظاهر والباطن } أي الذي بهر وملك فيما ظهر للعقول وفيما خفي عنها فليس في الظاهر غيره حسب قيام الأدلة، وليس في باطن الأمر وفيما خفي عن النظرة مما عسى أن يتوهم غيره.
وقوله تعالى: { وهو بكل شيء عليم } عام في الأشياء عموماً تاماً. وقد تقدم القول في خلق السماوات والأرض. وأكثر الناس على أن بدأة الخلق هي في يوم الأحد، ووقع في مسلم: أن البدأة في يوم السبت، وقال بعض المفسرين: الأيام الستة من أيام القيامة. وقال الجمهور: بل من أيام الدنيا.
قال القاضي أبو محمد: وهو الأصوب.
والاستواء على العرش هو بالغلبة والقهر المستمرين بالقدرة، وليس في ذلك ما في قهر العباد من المحاولة والتعب. وقد تقدم القول في مسألة الاستواء مستوعباً في: "طه" وغيرها.
و: { ما يلج في الأرض } هو المطر والأموات وغير ذلك، { وما يخرج منها } النبات والمعادن وغير ذلك. { وما ينزل من السماء } الملائكة والرحمة والعذاب وغير ذلك. { وما يعرج } الأعمال صالحها وسيئها والملائكة وغير ذلك.
وقوله تعالى: { وهو معكم أينما كنتم } معناه بقدرته وعلمه وإحاطته. وهذه آية أجمعت الأمة على هذا التأويل فيها، وأنها مخرجة عن معنى لفظها المعهود، ودخل في الإجماع من يقول بأن المشتبه كله ينبغي أن يمر ويؤمن به ولا يفسر فقد أجمعوا على تأويل هذه لبيان وجوب إخراجها عن ظاهرها. قال سفيان الثوري معناه: علمه معكم، وتأولهم هذه حجة عليهم في غيرها.