التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
١٣٨
-الأنعام

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذه الآية تتضمن تعديد ما شرعوه لأنفهسم والتزموه على جهة القربة كذباً منهم على الله وافتراء عليه، فوصف تعالى أنهم عمدوا إلى بعض أنعامهم وهي الإبل والبقر والغنم أو الإبل بانفرادها، وما غيرها إذا انفرد فلا يقال له أنعام، وإلى بعض زروعهم وثمارهم، وسمي ذلك "حرثاً" إذ عن الحرث يكون، وقالوا هذه حجر أي حرام، وقرأ جمهور الناس "حِجْر" بكسر الحاء وسكون الجيم، وقرأ قتادة والحسن والأعرج "حُجْر" بضم الحاء وسكون الجيم، وقرأ ابن عباس وأبيّ وابن مسعود وابن الزبير والأعمش وعكرمة وعمرو بن دينار "جِرْج" بكسر الحاء وتقديم الراء على الجيم وسكونها، فالأولى والثانية بمعنى التحجير وهو المنع والتحريم، والأخيرة من الحرج وهو التضييق والتحريم، وكانت هذه الأنعام على ما قال ابن زيد محللة للرجال محرمة على النساء، وقيل كانت وقفاً لمطعم سدنة بيوت الأصنام وخدمتها، حكاه المهدوي، فذلك المراد بقوله { من نشاء } وقوله { بزعمهم } أي بتقولهم الذي هو أقرب إلى الباطل منه إلى الحق، و"زعمهم" هنا هو في قولهم "حجر" وتحريمهم بذلك ما لم يحرم الله تعالى، وقرأ ابن أبي عبلة "بزَعَمهم" بفتح الزاي والعين، وكذلك في الذي تقدم، { وأنعام حرمت ظهورها } كانت للعرب سنن، إذا فعلت الناقة كذا من جودة النسل والمواصلة بين الإناث ونحوه حرم ظهورها فلم تركب وإذا فعل الفحل كذا وكذا حرم فعدد الله ذلك على جهة الرد عليهم إذ شرعوا بذلك برأيهم وكذبهم، { وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها } قيل كانت لهم سنة في أنعام ما أن لا يحج عليها فكانت تركب في كل وجه إلا في الحج، فذلك قوله { وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها } هذا قول جماعة من المفسرين.
ويروى ذلك عن أبي وائل، وقالت فرقة: بل ذلك في الذبائح يريد أنهم جعلوا لآلهتهم منها نصيباً لا يذكرون الله على ذبحها، وقوله { افتراء } مصدر نصب على المفعول من أجله أو على إضمار فعل تقديره يفترون ذلك، و { سيجزيهم } وعيد بمجازاة الآخرة، والضمير في { عليه } عائد على اسم الله، و { يفترون } أي يكذبون ويختلفون.