التفاسير

< >
عرض

وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ
١٧
وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ
١٨
-الأنعام

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ يمسسك } معناه يصبك وينلك، وحقيقة المس هي بتلاقي جسمين فكأن الإنسان والضر يتماسان، و "الضُّر" بضم الضاد سوء الحال في الجسم وغيره، "والضَّر" بفتح الضاد ضد النفع، وناب الضر في هذه الآية مناب الشر وإن كان الشر أعم منه مقابل الخير، وهذا من الفصاحة عدول عن قانون التكلف والصنعة فإن باب التكلف وترصيع الكلام أن يكون الشيء مقترناً بالذي يختص به بنوع من أنواع الاختصاص موافقة أو مضادة، فمن ذلك قوله تعالى: { { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى } } [طه:118، 119] فجعل الجوع مع العري وبابه أن يكون مع الظمأ ومنه قول امرىء القيس: [الطويل]

كَأَنِّيَ لَمْ أَرْكَبْ جَوَاداً لِلَذَّةٍ وَلَمْ أَتَبَطَّنْ كَاعِباً ذَاتَ خَلْخَالِ
وَلَمْ أسْبَإِ الزِّقَّ الرَّوِيَّ ولمْ أقُلْ لِخَيْلِيَ كُرِّي كُرَّةً بِعْدَ إجْفَالِ

وهذا كثير، قال السدي "الضر" ها هنا المرض والخير العافية.
قال القاضي أبو محمد: وهذا مثال ومعنى الآية الإخبار عن أن الأشياء كلها بيد الله إن ضر فلا كاشف لضره غيره وإن أصاب بخير فكذلك أيضاً لا راد له ولا مانع منه، هذا تقرير الكلام، ولكن وضع بدل هذا المقدر لفظاً أعم منه يستوعبه وغيره، وهو قوله: { على كل شيء قدير } ودل ظاهر الكلام على المقدر فيه، وقوله: { على كل شيء قدير } عموم أي على كل شيء جائز يوصف الله تعالى بالقدرة عليه، وقوله تعالى: { وهو القاهر } الآية، أي وهو عز وجل المستولي المقتدر، و { فوق } نصب على الظرف لا في المكان بل في المعنى الذي تضمنه لفظ القاهر، كما تقول زيد فوق عمرو في المنزلة، وحقيقة فوق في الأماكن، وهي في المعاني مستعارة شبه بها من هو رافع رتبة في معنى ما، لما كانت في الأماكن تنبىء حقيقة عن الأرفع وحكى المهدوي: أنها بتقدير الحال، كأنه قال: وهو القاهر غالباً.
قال القاضي أبو محمد: وهذا لا يسلم من الاعتراض أيضاً والأول عندي أصوب: و "العباد" بمعنى العبيد وهما جمعان للعبد أما أنا نجد ورود لفظة العباد في القرآن وغيره في مواضع تفخيم أو ترفيع أو كرامة، وورود لفظ العبيد في تحقير أو استضعاف أو قصد ذم، ألا ترى قول امرىء القيس: [السريع]

قولا لدودانَ عبيدِ العَصَا

ولا يستقيم أن يقال هنا عباد العصا وكذلك الذين سموا العباد لا يستقيم أن يقال لهم العبيد لأنهم أفخم من ذلك، وكذلك قول حمزة رضي الله عنه وهل أنتم إلا عبيد لأبي، لا يستقيم فيه عباد، و { الحكيم } بمعنى المحكم، و { الخبير } دالة على مبالغة العلم، وهما وصفان مناسبان لنمط الآية.