التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٣٩
قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ
٤٠
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ
٤١
-الأنعام

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

كأنه قال وما من دابة ولا طائر ولا شيء إلا فيه آية منصوبة على وحدانية الله تعالى، ولكن الذين كذبوا صم وبكم لا يتلقون ذلك ولا يقبلونه، وظاهر الآية أنها تعم كل مكذب، وقال النقاش نزلت في بني عبد الدار.
قال القاضي أبو محمد: ثم انسحبت على سواهم، ثم بيّن أن ذلك حكم من الله عز وجل بمشيئته في خلقه فقال مبتدئاً الكلام { من يشأ الله يضلله } شرط وجوابه، وقوله: { في الظلمات } ينوب عن "عمي"، وفي الظلمات أهول عبارة وأفصح وأوقع في النفس، والصراط الطريق الواضح.
وقوله تعالى: { قل أرأيتكم } الآية، ابتداء احتجاج على الكفار الجاعلين لله شركاء، والمعنى أرأيتم إذا خفتم عذاب الله أو خفتم هلاكاً أو خفتم الساعة أتدعون أصنامكم وتلجؤون إليها في كشف ذلك إن كنتم صادقين في قولكم: إنها آلهة؟ بل تدعون الله الخالق الرزاق فيكشف ما خفتموه إن شاء وتنسون أصنامكم أي تتركونهم، فعبر عن الترك بأعظم وجوهه الذي هو مع الترك ذهول وإغفال، فكيف يجعل إلهاً من هذه حاله في الشدائد والأزمات؟ وقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة "أرأيتكم" بألف مهموزة على الأصل، لأن الهمزة عين الفعل، وقرأ نافع بتخفيف الهمزة بين على عرف التخفيف وقياسه، وروي عنه أنه قرأها بألف ساكنة وحذف الهمزة، وهذا تخفيف على غير قياس، والكاف في أرأيتك زيداً و "أرأيتكم" ليست باسم وإنما هي مجردة للخطاب كما هي في ذلك، وأبصرك زيداً ونحوه، ويدل على ذلك أن رأيت بمعنى العلم، إنما تدخل على الابتداء والخبر، فالأول من مفعوليها هو الثاني بعينه، والكاف في أرأيتك زيداً ليست المفعول الثاني كقوله تعالى:
{ { أرأيتك هذا الذي كرمت عليّ } [الإسراء: 62] فإذا لم تكن اسماً صح أنها مجردة للخطاب وإذا تجردت للخطاب صح أن التاء ليست للخطاب كما هي في أنت لأن علامتي خطاب لا تجمعان على كلمة كما لا تجتمع علامتا تأنيث ولا علامتا استفهام فلما تجردت التاء من الخطاب وبقيت علامة الفاعل فقط استغني عن إظهار تغيير الجمع والتأنيث لظهور ذلك في الكاف وبقيت التاء على حد واحد في الإفراد والتثنية والجمع والتأنيث وروي عن بعض بني كلاب أنه قال: أتعلمك كان أحد أشعر من ذي الرمة، فهذه الكاف صلة في الخطاب، و { أتاكم عذاب الله } معناه أتاكم خوفه وأماراته وأوائله مثل الجدب والبأساء والأمراض ونحوها التي خاف منها الهلاك، ويدعو إلى هذا التأويل أنا لو قدرنا إتيان العذاب وحلوله لم يترتب أن يقول بعد ذلك { فيكشف ما تدعون } لأن ما قد صح حلوله ومضى على البشر لا يصح كشفه، ويحتمل أن يراد بـ { الساعة } في هذه الآية موت الإنسان، وقوله تعالى: { بل إياه تدعون } الآية، المعنى بل لا ملجأ لكم إلا لله، وأصنامكم مطرحة منسية، و { ما } بمعنى الذي تدعون إليه من أجله، ويصح أن تكون { ما } ظرفية، ويصح أن تكون مصدرية على حذف في الكلام، قال الزجّاج هو مثل { { وأسأل القرية } [يوسف:82] والضمير في { إليه } يحتمل أن يعود إلى الله تعالى بتقدير فيكشف ما تدعون إليه، و { إن شاء } استثناء لأن المحنة إذا أظلت عليهم فدعوا إليهم في كشفها وصرفها فهو لا إله إلا هو كاشف إن شاء ومصيب إن شاء لا يجب عليه شيء، وتقدم معنى { تنسون } و { إياه } اسم مضمر أُجري مجرى المظهرات في أنه يضاف أبداً، وقيل هو مبهم وليس بالقوي لأن الأسماء المبهمة مضمنة الإشارة إلى حاضر نحو ذاك وتلك هؤلاء، و "إيا" ليس فيه معنى الإشارة.