التفاسير

< >
عرض

إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ
٢
لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٣
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ
٤
-الممتحنة

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

أخبر الله تعالى أن مداراة هؤلاء الكفار غير نافعة في الدنيا وأنها ضارة في الآخرة ليبين فساد رأي مصانعهم فقال تعالى: { إن يثقفوكم } أي إن يتمكنوا منكم وتحصلوا في ثقافهم، ظهرت العداوة وانبسطت أيديهم بضرركم وقتلكم وألسنتهم بسبكم، وهذا هو السوء، وأشد من هذا كله أنهم إنما يقنعهم منكم أن تكفروا وهذا هو ودهم، ثم أخبر تعالى أن هذه الأرحام التي رغبتم في وصلها ليست بنافعة يوم القيامة فالعامل في { يوم } قوله { تنفعكم }، وقال بعض النحاة في كتاب الزهراوي، العامل فيه { يفصل } وهو مما بعده لا مما قبله، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والعامة: "يُفْصَل" بضم الياء وسكون الفاء وتخفيف الصاد مفتوحة، وقرأ ابن عامر والأعرج وعيسى: "يُفَصَّل" بضم الياء وفتح الفاء وشد الصاد منصوبة، واختلف على هاتين القراءتين في إعراب قوله: { بينكم } فقيل: نصب على الظرفية، وقيل رفع على ما لم يسم فاعله إلا أن لفظه بقي منصوباً لأنه كذلك كثر استعماله، وقرأ عاصم والحسن والأعمش: "يَفْصِل" بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد خفيفة، وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب: "يُفَصِّل" بضم الياء وفتح الفاء وشد الصاد المكسورة، وإسناد الفعل في هاتين القراءتين إلى الله تعالى، وقرأ النخعي وطلحة بن مصرف: "نفَصِّلُ" بنون العظمة مرفوعة وفتح الفاء وشد الصاد المكسورة، وقرأ بعض الناس: "نَفْصل" بنون العظمة مفتوحة وسكون الفاء، وقرأ أبو حيوة، بضم الياء وسكون الفاء وكسر الصاد خفيفة من: "أفصل" وفي قوله تعالى: { والله بما تعملون بصير } وعيد وتحذير، وقرأ جمهور السبعة: "إسوة" بكسر الهمزة، وقرأ عاصم وحده: "أسوة" بضمها وهما لغتان، والمعنى: قدوة وإمام ومثال، و { إبراهيم } هو خليل الرحمن، واختلف الناس في { الذين معه }، فقال قوم من المتأولين أراد من آمن به من الناس، وقال الطبري وغيره: أراد الأنبياء الذين كانوا في عصره وقريباً من عصره، وهذا القول أرجح لأنه لم يُروَ أن إبراهيم كان له أتباع مؤمنون في مكافحته نمروداً، وفي البخاري أنه قال لسارة حين رحل بها إلى الشام مهاجراً من بلد النمرود: ما على الأرض من يعبد الله غيري وغيرك، وهذه الأسوة مقيدة في التبري عن الإشراك وهو مطرد في كل ملة، وفي نبينا عليه السلام أسوة حسنة على الإطلاق لأنها في العقائد وفي أحكام الشرع كلها، وقرأ جمهور الناس "برءاء" على وزن فعلاء الهمزة الأولى لام الفعل، وقرأ عيسى الثقفي: "بِراء"، على وزن فِعال، بكسر الباء ككريم وكرام، وقرأ يزيد بن القعقاع: "بُراء" على وزن فُعال، بضم الفاء كنوام، وقد رويت عن عيسى قراءة، قال أبو حاتم: زعموا أنه عيسى الهمداني ويجوز: "بَراء" على المصدر بفتح الباء يوصف به الجمع والإفراد، وقوله: { كفرنا بكم } أي كذبناكم في أقوالكم ولم نؤمن بشيء منها، ونظير هذا قوله عليه السلام حكاية عن قول الله عز وجل: فهو مؤمن بي كافر بالكوكب ولم تلحق العلامة في: { بدا } لأن تأنيث { العداوة والبغضاء } غير حقيقي، ثم استثنى تعالى استغفار إبراهيم لأبيه، وذكر أنه كان عن موعدة وقد تفسر ذلك في موضعه، وهذا استثناء ليس من الأول، والمعنى عند مجاهد وقتادة وعطاء الخراساني وغيرهم: أن الأسوة لكم في هذا الوجه، لا في هذا الآخر لأنه كان في علة ليست في نازلتكم، ويحتمل أن يكون استثناء من التبري والقطيعة التي ذكرت أي لم تبق صلة إلا كذا، وقوله تعالى: { ربنا عليك توكلنا } الآية، حكاية عن قول إبراهيم والذين معه إنه هكذا كان.