التفاسير

< >
عرض

وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٣
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ
١٤
-الصف

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قوله تعالى: { وأخرى } قال الأخفش هي في موضع خفض على { تجارة } [الصف: 10]، وهذا قول قلق، قد رد عليه ناس، واحتج له آخرون، والصحيح ضعفه، لأن هذه "الأخرى" ليست مما دل عليه إنما هي مما أعطى ثمناً وجزاء على الإيمان والجهاد بالنفس والمال، وقال الفراء: { وأخرى } في موضع رفع، وقال قوم: إن { أخرى }، في موضع نصب بإضمار فعل، كأنه قال: { { يغفر ذنوبكم ويدخلكم جنات } [الصف: 12] ويمنحكم أخرى، وهي النصر والفتح القريب، وقرأ ابن أبي عبلة "نصراً من الله وفتحاً"، بالنصب فيهما، ووصفها تعالى بأن النفوس تحبها من حيث هي عاجلة في الدنيا، وقد وكلت النفس لحب العاجل، ففي هذا تحريض، ثم قواه تعالى بقوله: { وبشر المؤمنين } وهذه الألفاظ في غاية الإيجاز، وبراعة المعنى، ثم ندب تعالى المؤمنين إلى النصرة، ووضع لهم هذا الاسم، وإن كان العرف قد خص به الأوس والخزرج، وسماهم الله تعالى به، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والأعرج وعيسى: "أنصاراً"، بتنوين الأنصار، وقرأ الباقون والحسن والجحدري "أنصارَ الله"، بالإضافة، وفي حرف عبد الله: "أنتم أنصار الله"، ثم ضرب تعالى لهم المثل بقوم بادروا حين دعوا، وهم "الحواريون": خلصان الأنبياء، سموا بذلك لأنه ردد اختبارهم وتصفيتهم، وكذلك رد تنخيل الحواري: فاللفظتان في الحور، وقيل: "الحَواريون" سموا بذلك لبياض ثيابهم، وكانوا غسالين، نصروا عيسى، واستعمل اسمهم حتى قيل للناصر العاضد حواري، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وحواريي الزبير" ،وافتراق طوائف بني إسرائيل هو في أمر عيسى عليه السلام، قال قتادة: والطائفة الكافرة ثلاث فرق: اليعقوبية: وهم قالوا هو الله، والإسرائيلية: وهم قالوا ابن الله، والنسطورية: وهم قالوا هو إله، وأمه إله والله ثالثهما، تعالى الله عن أقوالهم علواً كبيراً.
وقوله تعالى: { فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم } قيل ذلك قبل محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد فترة من رفع عيسى عليه السلام، رد الله تعالى الكرة لمن آمن به، فغلبوا الكافرين الذين قتلوا صاحبه الذي ألقي عليه الشبه، وقيل ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم، أصبح المؤمن بعيسى ظاهراً لإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه لا يؤمن أحد حق الإيمان بعيسى، إلا وفي ضمن ذلك الإيمان بمحمد لأنه بشر به، وحرض عليه، وقيل كان المؤمنون به قديماً { ظاهرين } بالحجة، وإن كانوا مفرقين في البلاد، مغلوبين في ظاهر الحياة الدنيا، وقرأ مجاهد وحميد والأعرج وابن محيصن: "فأيَدنا" مخففة الياء ممدودة الألف.
نجز تفسير سورة الصف ولله الحمد كثيراً.