التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ
٦
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٧
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ
٨
-الصف

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

المعنى: "واذكر يا محمد إذ قال عيسى"، وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى لكفار قريش، وحكي عن موسى أنه قال: { يا قوم } [الصف: 5] وعن عيسى أنه قال: { يا بني إسرائيل } من حيث لم يكن له فيهم أب، و { مصدقاً }، حال مؤكدة، { ومبشراً } عطف عليه، وقوله تعالى: { يأتي من بعدي }، وقوله: { اسمه أحمد } جملتان كل واحدة منهما في موضع خفض على الصفة لرسول، و { أحمد } فعل سمي به، ويحتمل أن يكون أفعل كأسود، وهو في هذه الآية الكلمة لا الشخص، وليست على حد قولك جاءنا أحمد لأنك ها هنا أوقعت الاسم على مسماه، وفي الآية إنما أراد: اسمه هذه الكلمة، وذكر أبو علي هذا الغرض ومنه ينفك إعراب قوله تعالى { { يقال له إبراهيم } [الأنبياء: 60]، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر: "بعديَ" بفتح الياء، وقوله تعالى: { فلما جاءهم بالبينات }، الآية يحتمل أن يريد { عيسى }، وتكون الآية وما بعدها تمثيلاً بأولئك لهؤلاء المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون التمثيل قد فرغ عند قوله: { اسمه أحمد }، ثم خرج إلى ذكر { أحمد } لما تطرق ذكره، فقال مخاطبة للمؤمنين، { فلما جاء } أحمد هؤلاء الكفار { قالوا هذا سحر مبين }، و "البينات" هي الآيات والعلامات، وقرأ جمهور الناس: "هذا ساحر" إشارة إلى ما جاء به، وقرأ ابن مسعود وطلحة والأعمش وابن وثاب: "هذا سحر" إشارة إليه بنفسه، وقوله تعالى: { ومن أظلم } تعجيب وتقرير أي لا أحد أظلم منه، و "افتراء الكذب" هو قولهم: { هذا سحر }، وما جرى مجرى هذا من الأقوال التي هي اختلاق وبغير دليل، وقرأ الجمهور: "يُدعى" على بناء الفعل للمفعول، وقرأ طلحة بن مصرف "يدعي" بمعنى ينتمي وينتسب ومن ذلك قول الشاعر [ساعدة بن عجلان الهذلي]: [الكامل]

فرميت فوق ملاءة محبوكة وأبنت للأشهاد حزة أدعي

والمعنى على هذه القراءة إنما هو إشارة إلى الأنبياء عليهم السلام لما حكي عن الكفار أنهم قالوا: "هذا ساحر"، بين بعد ذلك أن العقل لا يقبله، أي وهل أظلم من هذا الذي يزعم أنه نبي ويدعي إلى الإسلام وهو مع ذلك مفتر على ربه وهذا دليل واضح لأن مسالك أهل الافتراء والمخرقة إنما هي دون هذا وفي أمور خسيسة، وضبط النقاش هذه القراءة "يُدَّعى" بضم الياء وفتح الدال المشددة على ما لم يسم فاعله، والضمير في { يريدون } للكفار، واللام في قوله: { ليطفئوا } لام مؤكدة، دخلت على المفعول لأن التقدير: "يريدون أن يطفئوا" وأن مع الفعل بتأويل المصدر فكأنه قال: يريدون إطفاء، وأكثر ما تلتزم هذه اللام المفعول إذا تقدم تقول لزيد: ضربت ولرؤيتك قصدت، و { نور الله } هو شرعه وبراهينه.
وقوله تعالى: { بأفواههم } إشارة إلى الأقوال أي بقولهم: سحر وشعر وتكهن وغير ذلك، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وابن محيصن والحسن وطلحة والأعرج: "والله متمٌّ" بالتنوين، "نورَه"نورَه" بالنصب، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم والأعمش: "متمُ نورِه" بالإضافة وهي في معنى الانفصال وفي هذا نظر.