التفاسير

< >
عرض

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١
هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٢
خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ
٣
يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٤
-التغابن

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قوله تعالى: { وهو على كل شيء قدير } عموم معناه التنبيه، والشيء: الموجود، وقوله: { هو الذي خلقكم } تعديد نعمة، والمعنى { فمنكم كافر } لنعمته في الإيجاد حين لم يوجد كافر لجهله بالله تعالى، { ومنكم مؤمن } بالله، والإيمان به شكر لنعمته، فالإشارة في هذا التأويل في الإيمان والكفر هي إلى اكتساب العبد، هذا قول جماعة من المتأولين، وحجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة" ،وقوله تعالى: { { فطرة الله التي فطر الناس عليها } [الروم: 30]، وكأن العبارة في قوله تعالى: { فمنكم } تعطي هذا، وكذلك يقويه قوله: { والله بما تعملون بصير }. وقيل: المعنى "خلقكم منكم مؤمن ومنكم كافر" في أصل الخلق فهي جملة في موضع الحال، فالإشارة على هذا في الإيمان والكفر هي إلى اختراع الله تعالى وخلقه، وهذا تأويل ابن مسعود وأبي ذر، ويجري مع هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم يكون في بطن أمه نطفة أربعين يوماً، ثم علقة أربعين يوماً، ثم مضغة أربعين يوماً، ثم يجيء الملك فيقول يا رب: أذَكَر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق فما الأجل؟ فيكتب ذلك في بطن أمه" ،فقوله في الحديث: "أشقي أم سعيد" هو في هذه الآية: { فمنكم كافر ومنكم مؤمن } ويجري مع هذا المعنى قوله في الغلام الذي قتله الخضر: إنه طبع يوم طبع كافراً، وما روى ابن مسعود أنه عليه السلام قال: "خلق الله فرعون في البطن كافراً وخلق يحيى بن زكرياء مؤمناً" وقال عطاء بن أبي رباح: فمعنى الآية: { فمنكم كافر } بالله { مؤمن } بالكوكب، ومؤمن بالله كافر بالكوكب، وقدم الكافر لأنه أعرف من جهة الكثرة، وقوله تعالى: { بالحق } أي حين خلقها محقوقاً في نفسه ليست عبثاً ولا لغير معنى.
وقرأ جمهور الناس: "صُوركم" بضم الصاد، وقرأ أبو رزين: "صِوركم" بكسرها، وهذا تعديد النعمة في حسن الخلقة، لأن أعضاء ابن آدم متصرفة لجميع ما تتصرف به أعضاء الحيوان، وبزيادات كثيرة فضل بها ثم هو مفضل بحسن الوجه، وجمال الجوارح، وحجة هذا قوله تعالى:
{ { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } [التين: 4]، وقال بعض العلماء: النعمة المعددة هنا إنما هي صورة الإنسان من حيث هو إنسان مدرك عاقل، فهذا هو الذي حسن له حتى لحق ذلك كمالات كثيرة.
قال القاضي أبو محمد: والقول الأول أحرى في لغة العرب، لأنها لا تعرف الصور إلا الشكل، وذكر تعالى علمه بما في السماوات والأرض، فعم عظام المخلوقات، ثم تدرج القول إلى أخفى من ذلك وهو جميع ما يقوله الناس في سر وفي علن، ثم تدرج إلى ما هو أخفى، وهو ما يهجس بالخواطر، وذات الصدور: ما فيها من خطرات واعتقادات كما يقال: الذئب مغبوط بذي بطنه، كما قال أبو بكر رضي الله عنه: إنما هو ذو بطن خارجة، و { الصدور } هنا عبارة عن القلب، إذ القلب في الصدر.