التفاسير

< >
عرض

وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
١١
وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ
١٢
-التحريم

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ امرأة فرعون } اسمها آسية وقولها: { وعمله } معناه وكفره، وما هو عليه من الضلالة، وهذا قول كافة المفسرين، وقال جمهور من المفسرين: معناه من ظلمه وعقابه وتعذيبه لي، وروي في هذا أن فرعون اتصل به إيمانها بموسى، وأنها تحب أن يغلب، فبعث إليها قوماً، وقال: إن رأيتم منها ذلك فابطحوها في الأرض ووتدوا يديها ورجليها وألقوا عليها أعظم حجر، وإن لم تروا ذلك فهي امرأتي. قال، فذهب القوم فلما أحست بالشر منهم دعت بهذه الدعوات فقبض الله روحها وصنع أولئك أمر الحجر بشخص لا روح فيه، وروي في قصصها غير هذا مما يطول ذكره، فاختصره لعدم صحته. وقال آخرون في كتاب النقاش: { وعمله } كناية عن الوطء والمضاجعة. وهذا ضعيف.
واختلف الناس في الفرج الذي أحصنت مريم، فقال الجمهور: هو فرج الدرع الذي كان عليها، وأنها كانت صينة، وأن جبريل عليه السلام: نفخ فيها الروح من جيب الدرع، وقال قوم من المتأولين: هو الفرج الجارحة، فلفظة { أحصنت }: إذا كان فرج الجارحة متمكناً حقيقة، والإحصان: صونه، وفيه هي مستعملة، وإذا قدرنا فرج الدرع فلفظ { أحصنت } فيه مستعارة من حيث صانته، ومن حيث صار مسلكاً لولدها، وقوله تعالى: { فنفخنا } عبارة عن فعل جبريل حقيقة، وإن ذهب ذاهب إلى أن النفخ فعل الله تعالى، فهو عبارة عن خلقه واختراعه الولد في بطنها، وشبه ذلك بالنفخ الذي من شأنه أن يسير في الشيء برفق ولطف. وقوله تعالى: { من روحنا } إضافة المخلوق إلى خالق ومملوك إلى مالك كما تقول: بيت الله وناقة الله، وكذلك الروح الجنس كله هو روح الله. وقرأ الجمهور: "وصدّقت" بشد الدال، وقرأ أبو مجلز: بتخفيفها، وقرأ جمهور الناس: "بكلمات" على الجمع، وقرأ الجحدري: "بكلمة" على الإفراد، فأما الإفراد فيقوي: أن يريد أمر عيسى ويحتمل أن يريد أنه اسم جنس في التوراة، ومن قرأ على الجمع فيقوي أنه يريد التوراة، ويحتمل أن يريد أمر عيسى. وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ونافع: "وكتابه" على الوحيد، وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم، وخارجة عن نافع: "وكُتُبه" بضم التاء والجمع، وقرأ أبو رجاء بسكون التاء "وكتْبه"، وذلك كله مراد به التوراة والإنجيل، والقانتون: العابدون، والمعنى كانت من القوم { القانتين } في عبادتها وحال دينها.
(نجز تفسير سورة التحريم والحمد لله كثيراً).