التفاسير

< >
عرض

أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ
٢١
أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٢٢
قُلْ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ
٢٣
قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٢٤
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٢٥
-الملك

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذا أيضاً توقيف على أمر لا مدخل للأصنام فيه، والإشارة بالرزق إلى المطر، لأنه عظم الأرزاق، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم: { لجوا } وتمادوا في التمنع عن طاعة الله، وهو العتو في نفور، أي بعد عن الحق بسرعة ومبادرة، يقال: نفر عن الأمر نفوراً، وإلى الأمر نفيراً، ونفرت الدابة نفاراً.
واختلف أهل التأويل في سبب قوله: { أفمن يمشي مكباً } الآية، فقال جماعة من رواة الأسباب: نزلت مثلاً لأبي جهل بن هشام وحمزة بن عبد المطلب، وقال ابن عباس وابن الكلبي وغيره: نزلت مثلا لأبي جهل بن هشام ومحمد صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد والضحاك: نزلت مثالاً للمؤمنين والكافرين على العموم، وقال قتادة: نزلت مخبرة عن حال القيامة، وإن الكفار يمشون فيها على وجوههم، والمؤمنون يمشون على استقامة، وقيل للنبي: كيف يمشي الكافر على وجهه؟ قال:
"إن الذي أمشاه في الدنيا على رجليه قادر على أن يمشيه في الآخرة على وجهه" .
قال القاضي أبو محمد: فوقف الكفار على هاتين الحالتين حينئذ، ففي الأقوال الثلاثة الأول المشي مجاز يتخيل، وفي القول الرابع هو حقيقة يقع يوم القيامة ويقال: أكب الرجل، إذا رد وجهه إلى الأرض، وكبه: غبره، قال عليه السلام: "وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم" ،فهذا الفعل خلاف للباب: أفعل لا يتعدى وفعل يتعدى، ونظيره قشعت الريح فأقشع، و { أهدى } في هذه الآية أفعل من الهدى، وقرأ طلحة: "أمَن يمشي" بتخفيف الميم، وإفراد { السمع } لأنه اسم جنس يقع للكثير و { قليلاً } نصب بفعل مضمر، و { ما }: مصدرية، وهي في موضع رفع، وقوله: { قليلاً ما تشكرون } يقتضي ظاهره أنهم يشكرون قليلاً، فهذا إما أن يريد به ما عسى أن يكون للكافر من شكر وهو قليل غير نافع، وإما أن يريد جملة فعبر بالقلة كما تقول العرب: هذه أرض قل ما تنبت كذا، وهي لا تنبته بتة، ومن شكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه النعمة " أنه كان يقول في سجوده: سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره" ، و "ذرأكم" معناه: بثكم والحشر المشار إليه، هو بعث القيامة، وإليه أشار بقوله: { هذا الوعد } فأخبر تعالى أنهم يستعجلون أمر القيامة، ويوقفون على الصدق، في الإخبار بذلك.