التفاسير

< >
عرض

تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١
ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ
٢
ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ
٣
ثُمَّ ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ
٤
-الملك

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ تبارك } تفاعل من البركة، وهي التزيد في الخيرات، ولم يستعمل بيتبارك ولا متبارك، وقوله: { بيده } عبارة عن تحقيق { الملك }، وذلك أن اليد في عرف الآدميين هي آلة التملك فهي مستعرة، و { الملك } على الإطلاق هو الذي لا يبيد ولا يختل منه شيء، وذلك هو ملك الله تعالى، وقيل المراد في هذه الآية: ملك المولك، فهو بمنزلة قوله: { { اللهم مالك الملك } [آل عمران: 26]، عن ابن عباس رضي الله عنه. وقوله تعالى: { وهو على كل شيء قدير } عموم، والشيء معناه في اللغة الموجود، و { الموت والحياة } معنيان يتعاقبان جسم الحيوان يرتفع أحدهما بحلول الآخر، وما في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح على الصراط" ،فقال أهل العلم: ذلك تمثال كبش يوقع الله عليه العلم الضروري لأهل الدارين، إنه الموت الذي ذاقوه في الدنيا، ويكون ذلك التمثال حاملاً للموت على أنه يحل الموت فيه، فتذهب عنه حياة، ثم يقرن الله تعالى بذبح ذلك التمثال إعدام الموت. وقوله تعالى: { خلق الموت والحياة ليبلوكم } أي ليختبركم في حال الحياة، ويجازيكم بعد الموت، وقال أبو قتادة نحوه " عن ابن عمر: قلت يا رسول الله: ما معنى قوله تعالى: { ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } فقال: يقول: أيكم أحسن عقلاً، وأشدكم لله خوفاً، وأحسنكم في أمره ونهيه، نظراً وإن كانوا أقلكم تطوعاً" . وقال ابن عباس وسفيان الثوري والحسن بن أبي الحسن: { أيكم أحسن عملاً } أزهدكم في الدنيا. وقوله تعالى: { ليبلو } دال على فعل تقديره: فينظر أو فيعلم أيكم، وقال جماعة من المتأولين: الموت والحياة، عبارة عن الدنيا والآخرة، سمى هذه موتاً من حيث إن فيها الموت، وسمى تلك الحياة من حيث لا موت فيها، فوصفهما بالمصدرين على تقدير حذف المضاف، كعدل وزور، وقدم { الموت } في اللفظ، لأنه متقدم في النفس هيبة وغلظة، و { طباقاً } قال الزجاج: هو مصدر، وقيل: هو جمع طبقة أو جمع طبق مثل: رحبة ورحاب، أو جمل وجمال، والمعنى بعضها فوق بعض، وقال أبان بن ثعلب: سمعت أعرابياً يذم رجلاً، فقال: "شره طباق، خيره غير باق"، وما ذكر بعض المفسرين في السماوات من أن بعضها من ذهب وفضة وياقوت ونحو هذا ضعيف كله، ولم يثبت بذلك حديث، ولا يعلم أحد من البشر حقيقة لهذا. وقوله تعالى: { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } معناه من قلة تناسب، ومن خروج عن إتقان، والأمر المتفاوت، هو الذي يجاوز الحدود التي توجب له زيادة أو نقصاناً، وقرأ جمهور القراء: "من تفاوت"، وقرأ حمزة والكسائي وابن مسعود وعلقمة والأسود وابن جبير وطلحة والأعمش: "من تفوت" وهما بمعنى واحد، وقال بعض العلماء: { في خلق الرحمن } يعني به السماوات فقط، وهي التي تتضمن اللفظ، وإياها أراد بقوله: { هل ترى من فطور }، وإياها أراد بقوله: { ينقلب إليك البصر } الآية، قالوا وإلا ففي الأرض فطور، وقال آخرون: { في خلق الرحمن } يعني به جميع ما في خلق الله تعالى من الأشياء، فإنها لا تفاوت فيها ولا فطور، جارية على غير إتقان، ومتى كانت فطور لا تفسد الشيء المخلوق من حيث هو ذلك الشيء، بل هي إتقان فيه، فليست تلك المرادة في الآية، وقال منذر بن سعيد: أمر الله تعالى بالنظر إلى السماء وخلقها ثم أمر بالتكرير في النظر، وكذلك جميع المخلوقات متى نظرها ناظر، ليرى فيها خللاً أو نقصاً، فإن بصره ينقلب { خاسئاً } حسيراً، ورجع البصر ترديده في الشيء المبصر. وقوله: { كرتين } معناه مرتين، ونصبه على المصدر، والخاسئ المبعد بذل عن شيء أراده وحرص عليه، ومنه الكلب الخاسئ، ومنه " قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد: اخسأ فلن تعد وقدرك" ،ومنه قوله تعالى للكفار الحريصين على الخروج من جهنم: { { اخسؤوا فيها } } [المؤمنون: 108]، وكذلك هنا البصر يحرص على روية فطور أو تفاوت فلا يجد ذلك، فينقلب { خاسئاً }، والحسير العييّ الكالّ، ومنه قول الشاعر: [الطويل]

لهن الوجا لم كن عوناً على النوى ولا زال منها طالح وحسير