{ تنادوا } معناه: دعا بعضهم بعضاً إلى المضي لميعادهم، وقرأ بعض السبعة: "أنُ اغدوا" بضم
النون وبعضهم بكسرها، وقد تقدم هذا مراراً. وقولهم { إن كنتم صارمين }، يحتمل أن يكون من صرام
النخل، ويحتمل أن يريد إن كنتم من أهل عزم وإقدام على آرائكم من قولك سيف صارم، و { يتخافتون }
معناه: يتكلمون كلاماً خفياً، ومنه قوله تعالى: { { ولا تخافت بها } [الإسراء: 110]، وكان هذا التخافت
خوفاً من أن يشعر بهم المساكين، وكان لفظهم الذي { يتخافتون } به أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين.
وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة: "لا يدخلنها" بسقوط أن، وقوله تعالى: { على حرد } يحتمل أن يريد على
منع من قولهم: حاردت الإبل، إذا قلت ألبانها فمنعتها، وحاردت السنة، إذا كانت شهباء لا غلة لها، ومنه
قول الشاعر [الكميت]: [الطويل]
وحاردت النكد الجلاد فلم يكن لعقبة قدر المستعيرين معقب
ويحتمل أن يريد بالحرد القصد، وبذلك فسر بعض اللغويين، وأنشد عليه [القرطبي]: [الرجز]
أقبل سيل جاء من أمر الله يحرد حرد الحبّة المغله
أي يقصد قصدها، ويحتمل أن يريد بالحرد، الغضب، يقال: حرد الرجل حرداً إذا غضب، ومنه
قول الأشهب بن رميلة: [الطويل]
أسود شرى لاقت أسوداً خفية تساقوا على حرد دماء الأساود
وقوله تعالى: { قادرين } يحتمل أن يكون من القدرة، أي هم قادرون في زعمهم، ويحتمل أن يكون
من التقدير كأنهم قد قدروا على المساكين، أي ضيقوا عليهم، ومنه قوله تعالى: { { ومن قدر عليه رزقه } }
[الطلاق: 7]، وقوله: { فلما رأوها } أي محترقة حسبوا أنهم قد ضلوا الطريق، وأنها ليست تلك، فلما
تحققوها علموا أنها أصيبت، فقالوا: { بل نحن محرومون }، أي قد حرمنا غلتها وبركتها، فقال لهم
أعدلهم قولاً وخلقاً وعقلاً وهو الأوسط، ومنه قوله تعالى: { { أمة وسطاً } [البقرة: 143] أي عدولاً خياراً،
و { تسبحون }، قيل هي عبارة عن طاعة الله وتعظيمه، والعمل بطاعته. وقال مجاهد وأبو صالح: هي
كانت لفظة، الاستثناء عندهم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا يرد عليه قولهم: { سبحان ربنا } فبادر القوم عند ذلك وتابوا وسبحوا
واعترفوا بظلمهم في اعتقادهم منع الفقراء.