التفاسير

< >
عرض

وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ
٤١
وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ
٤٢
تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٤٣
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ
٤٤
لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ
٤٥
ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ
٤٦
فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ
٤٧
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ
٤٨
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ
٤٩
وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ
٥٠
وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ
٥١
فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ
٥٢
-الحاقة

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

نفى الله تعالى أن يكون القرآن من "قول شاعر" كما زعمت قريش، ونصب { قليلاً } بفعل مضمر يدل عليه { تؤمنون }، و { ما } يحتمل أن تكون نافية فينتفي إيمانهم البتة، ويحتمل أن تكون مصدرية ويتصف بالقلة، إما الإيمان وإما العدد الذي يؤمنون، فعلى اتصاف إيمانهم بالقلة فهم الإيمان اللغوي لأنهم قد صدقوا بأشياء يسيرة لا تغني عنهم شيئاً إذ كانوا يصدقون أن الخير والصلة والعفاف الذي كان يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حق صواب، ثم نفى تعالى أن يكون "قول كاهن" كما زعم بعضهم، وقرأ ابن كثير وابن عامر والحسن والجحدري: "قليلاً ما يؤمنون وقليلاً ما يذكرون" بالياء جميعاً. وقرأ الباقون: بالتاء من فوق، ورجح أبو عامر قراءة التاء بقوله تعالى: { فما منكم من أحد } وفي مصحف أبيّ بن كعب "ما تتذكرون" بتاءين، و { تنزيل } رفع بالابتداء، أي هو { تنزيل }، ثم أخبر تعالى أن محمداً لو تقول عليه شيئاً لعاقبه بما ذكر، والتقول: أن يقول الإنسان عن آخر أنه قال شيئاً لم يقله. وقرأ ذكوان وابنه محمد: "ولو يقُول" بالياء وضم القاف، وهذه القراءة معرضة بما صرحت به قراءة الجمهور، ويبين التعريض قوله { علينا بعض الأقاويل }، وقوله تعالى: { لأخذنا منه باليمين } اختلف في معناه، فقال ابن عباس: { باليمين }، بالقوة ومعناه: لنلنا منه عقابه بقوة منا، أو يكون المعنى: لنزعنا قوته، وقال آخرون: هي عبارة عن الهوان، كما يقال لمن يسجن أو يقام لعقوبة قد أخذ بيده وبيمينه، و { الوتين }: نياط القلب، قاله ابن عباس وهو عرق غليظ تصادفه شفرة الناحر، ومنه قول الشماخ: [الوافر]

إذا بلغتني وحملت رحلي عرادة فاشرقي بدم الوتين

فمعنى الآية لأذهبنا حياته معجلاً، والحاجز: المانع، وجمع { حاجزين } على معنى { أحد } لأنه يقع على الجميع، ونحوه قوله عليه السلام: "ولم تحل الغنائم لأحد سوى الرؤوس قبلكم" . والضمير في قوله تعالى: { وإنه لتذكرة } عائد على القرآن، وقيل على محمد صلى الله عليه وسلم، وفي قوله تعالى: { وإنا لنعلم أن منكم مكذبين } وعيد وكونه { لحسرة على الكافرين } هو من حيث كفروا ويرون من آمن به ينعم وهم يعذبون، وقوله تعالى: { لحق اليقين } ذهب الكوفيون إلى أنها إضافة الشيء إلى نفسه كدار الآخرة ومسجد الجامع. وذهب البصريون والحذاق إلى أن الحق مضاف إلى الأبلغ من وجوهه، وقال المبرد: إنما هو كقولك عين اليقين ومحض اليقين. ثم أمر تعالى نبيه بالتسبيح باسمه العظيم. وفي ضمن ذلك الاستمرار على رسالته والمضي لأدائها وإبلاغها، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية: "اجعلوها في ركوعكم" واستحب التزام ذلك جماعة من العلماء، وكره مالك لزوم ذلك لئلا يعد واجباً فرضاً.