التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَاقَّةُ
١
مَا ٱلْحَآقَّةُ
٢
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ
٣
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ
٤
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ
٥
وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ
٦
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ
٧
فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ
٨
-الحاقة

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ الحاقة } اسم فاعل، من حق الشيء يحق إذا كان صحيح الوجود، ومنه { { حقت كلمة العذاب } } [الزمر: 71]، والمراد به القيامة والبعث، قاله ابن عباس وقتادة، لأنها حقت لكل عامل عمله. وقال بعض المفسرين: { الحاقة } مصدر كالعاقبة والعافية، فكأنه قال: ذات الحق. وقال ابن عباس وغيره: سميت القيامة حاقة، لأنها تبدي حقائق الأشياء واللفظة رفع بالابتداء، و { ما }، رفع بالابتداء أيضاً، و { الحاقة } الثانية: خبر { ما }، والجملة خبر الأول، وهذا كما تقول: زيد ما زيد، على معنى التعظيم له والإبهام في التعظيم أيضاً، ليتخيل السامع أقصى جهده. وقوله تعالى: { وما أدراك ما الحاقة } مبالغة في هذا المعنى: أي أن فيها ما لم تدره من أهوالها، وتفصيل صفاتها. { وما }، تقرير وتوبيخ. وقوله تعالى: { ما الحاقة } ابتداء وخبر في موضع نصب بـ { أدراك }، و { ما } الأولى، ابتداء وخبرها { أدراك ما الحاقة }، وفي { أدراك }، ضمير عائد على { ما } هو ضمير الفاعل. ثم ذكر تعالى تكذيب { ثمود وعاد } بهذا الأمر الذي هو حق مشيراً إلى أن من كذب بذلك ينزل عليه مثل ما نزل بأولئك. و { القارعة } من أسماء القيامة أيضاً، لأنها تقرع القلوب بصدمتها، و { ثمود } اسم عربي معرفة، فإذا أريد به القبيلة لم ينصرف، وإذا أريد به الحي انصرف، وأما { عاد }: فكونه على ثلاثة أحرف ساكن الوسط دفع في صدر كل علة فهو مصروف. و { الطاغية } قال قتادة: معناه الصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة، وقال قوم: المراد بسبب الفئة الطاغية، وقال آخرون منهم مجاهد وابن زيد: المعنى بسبب الفعلة الطاغية التي فعلوها. وقال ابن زيد: ما معناه: { الطاغية } مصدر كالعاقبة فكأنه قال بطغيانهم، وقاله أبو عبيدة ويقوي هذا { { كذبت ثمود بطغواها } [الشمس: 11] وأولى الأقوال وأصوبها الأول لأنه مناسب لما ذكر في عاد، إذ ذكر فيها الوجه الذي وقع به الهلاك، وعلى سائر الأقوال لا يتناسب الأمران لأن طغيان ثمود سبب والريح لا يناسب ذلك لأنها ليست سبب الإهلاك، بل هي آلة كما في الصيحة، و: "الصرصر" يحتمل أن يكون من الصر أي البرد، وهو قول قتادة، ويحتمل أن يكون من صر الشيء إذا صوت، فقال قوم: صوت الريح { صرصر }، كأنه يحكي هذين الحرفين. و "العاتية" معناه: الشديدة المخالفة، فكانت الريح عتت على الخزان بخلافها وعتت على قوم عاد بشدتها. وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أنهما قالا: إنه لم ينزل من السماء قطرة ماء إلا بمكيال على يد ملك ولا هبت ريح إلا كذلك إلا ما كان من طوفان نوح وريح عاد، فإن الله أذن لهما في الخروج دون إذن الخزان. والتسخير: استعمال الشيء باقتدار عليه. وروي أن الريح بدأت بهم صبح يوم الأربعاء لثمان بقين لشوال، وتمادت بهم إلى آخر يوم الأربعاء تكملة الشهر. و { حسوماً }، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وأبو عبيدة معناه: كاملة تباعاً لم يتخللها غير ذلك، وهذه كما تقول العرب ما لقيته حولاً محرماً، قال الشاعر [طفيل الغنوي]: [الطويل]

عوازب لم تسمع نبوح مقامة ولم تر ناراً ثم حول محرم

وقال الخليل: { حسوماً }، أي شؤماً ونحساً، وقال ابن زيد: { حسوماً } جمع حاسم كجالس وقاعد، ومعناه أن تلك الأيتام قطعتهم بالإهلاك، ومنه حسم العلل ومنه الحسام. والضمير في قوله { فيها صرعى } يحتمل أن يعود على دارهم وحلتهم لأن معنى الكلام يقتضيها وإن لم يلفظ بها. قال الثعلبي، وقيل يعود على الريح، وقد تقدم القول في التشبيه بـ "أعجاز النخل" في سورة (اقتربت الساعة). والخاوية: الساقطة التي قد خلت أعجازها بِلىً وفساداً. ثم وقف تعالى على أمرهم توقيف اعتبار ووعظ بقوله: { هل ترى لهم من باقية } اختلف المتأولون في: { باقية }، فقال قوم منهم ابن الأنباري: هي هاء مبالغة كعلامة ونسابة والمعنى من باق. وقال ابن الأنباري أيضاً معناه: من فئة باقية وقال آخرون: { باقية } مصدر فالمعنى من بقاء.