{ خلف } معناه حدث خلفهم و { بعدهم خلْف } بإسكان اللام يستعمل في الأشهر في الذم ومنه
قول لبيد: [الكامل]
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب
وقد يستعمل في المدح ومنه قول حسان: [الطويل]
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا لأولنا في طاعة الله تابع
والخلَف بفتح اللام يستعمل في الأشهر في المدح، قال أبو عبيدة والزجاج: وقد يستعمل في الذم أيضاً
ومنه قول الشاعر:
الا ذلك الخلف الأعور
وقال مجاهد: المراد بـ "الخلف" هاهنا النصارى وضعفه الطبري وقرأ جمهور الناس { ورثوا
الكتاب } وقرأ الحسن بن أبي الحسن البصري "وُرّثوا الكتاب" بضم الواو وشد الراء، وقوله { يأخذون
عرض هذا الأدنى } إشارة إلى الرشا والمكاسب الخبيثة و "العرض" ما يعرض ويعن ولا يثبت، و"الأدنى"
إشارة إلى عيش الدنيا، وقوله: { ويقولون سيغفر لنا } ذم لهم باغترارهم وقولهم: { سيغفر } مع علمهم بما في
كتاب الله من الوعيد على المعاصي وإصرارهم عليهم وأنهم إذا أمكنتهم ثانية ارتكبوها فهؤلاء عجزة كما
قال صلى الله عليه وسلم: "والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله، فهؤلاء قطعوا بالمغفرة وهم
مصرون وإنما يقول سيغفر لنا من أقلع وندم" .
وقوله تعالى: { ألم يؤخذ عليهم } الآية، تشديد في لزوم الحق على الله في الشرع والأحكام
بين الناس وأن لا تميل الرشا بالحكام إلى الباطل، و { الكتاب } يريد به التوراة وميثاقها الشدائد التي فيها
في هذا المعنى، وقوله: { أن لا يقولوا على الله إلا الحق } يمكن أن يريد بذلك قولهم الباطل في حكومة
مما يقع بين أيديهم، ويمكن أن يريد قولهم سيغفر لنا وهم قد علموا الحق في نهي الله عن ذلك، وقرأ
جمهور الناس: "يقولوا" بياء من تحت وقرأ الجحدري: "تقولوا" بتاء من فوق وقوله: { ودرسوا } معطوف
على قوله: { ألم يؤخذ } الآية بمعنى المضي، يقدر: أليس قد أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه
وبهذين الفعلين تقوم الحجة عليهم في قولهم الباطل، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، "وادارسوا" ما فيه
وقال الطبري وغيره، قوله: { ودرسوا } معطوف على قوله: { ورثوا الكتاب }.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا نظر لبعد المعطوف عليه لأنه قوله: { ودرسوا } يزول منه معنى إقامة
الحجة بالتقدير الذي في قوله: { ألم } ثم وعظ وذكر تبارك وتعالى بقوله: { والدار الآخرة خير للذين
يتقون } وقرأ جمهور الناس: "أفلا تعقلون" بالتاء من فوق وقرأ أبو عمرو وأهل مكة: "يعقلون" بالياء من
أسفل.
وقوله: { والذين } عطف على قوله: { للذين يتقون } وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي وعاصم
في رواية حفص وأبو عمرو والناس: "يَمَسّكون" بفتح الميم وشد السين وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله
عنه وأبو العالية وعاصم وحده في رواية أبي بكر. "يمْسِكون " بسكون الميم وتخفيف السين، وكلهم خفف
{ { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } [الممتحنة:10] إلا أبا عمرو فإنه قرأ: "ولا تمَسّكوا " بفتح الميم وشد
السين، وقرأ الأعمش "والذين استمسكوا" وفي حرف أبيّ "والذين مسكوا" يقال أمسك ومسك وهما لغتان
بمعنى واحد، قال كعب بن زهير: [البسيط]
فما تمسك بالعهد الذي زعمت إلا كما تمسك الماء الغرابيل
أما أن شد السين يجري مع التعدي بالباء.