التفاسير

< >
عرض

قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً
٢١
وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً
٢٢
وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً
٢٣
وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً
٢٤
مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً
٢٥
-نوح

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

المعنى فلما لم يطيعوا ويئس نوح من إيمانهم قال نوح: { رب إنهم عصوني } واتبعوا أشرافهم وغواتهم، فعبر عنهم بأن أموالهم وأولادهم زادتهم { خساراً } أي خسراناً، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ونافع في رواية خارجة عنه "ووُلْده" بضم الواو وسكون اللام، وهي قراءة ابن الزبير والحسن والأعرج والنخعي ومجاهد، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر "ووَلَده" بفتح اللام والواو وهما بمعنى واحد كبُخْل وبَخَل وهي قراءة أبي عبد الرحمن والحسن وأبي رجاء وابن وثاب وأبي جعفر وشيبة، وقرأ "ووِلده" بكسر الواو والجحدري وزر والحسن وقتادة وابن أبي إسحاق وطلحة، وقال أبو عمرو: "وُلْد" بضم الواو وسكون اللام العشيرة والقوم، وقال أبو حاتم يمكن أن يكون الوُلد بضم الواو جمع الولد وذلك كخشب وخشب، وقد قال حسان بن ثابت: [الكامل]

ما بكر آمنة المبارك بكرها من ولد محصنة بسعد الأسعد

وقرأ جمهور الناس: "كبّاراً" بشد الباء وهو بناء مبالغة، نحو حسان. قال عيسى: وهي لغة يمانية وعليها قول الشاعر [أبو صدقة الدبيري]: [الكامل]

والمرء يلحقه بفتيان الندى خلق الكريم وليس بالوضّاء

بضم الواو، وقرأ ابن محيصن وعيسى ابن عمر "كبار" بتخفيف الباء وهو بناء مبالغة إلا أنه دون الأول، وقرأ ابن محيصن فيما روى عنه أبو الأخريط وهب بن واضح بكسر الكاف، وقال ابن الأنباري جمع كبير فكأنه جعل المكر مكان ذنوب أفاعل ونحوه. وقوله تعالى: { وقالوا لا تذرن آلهتكم } إخبار عن توصيهم بأصنامهم على العموم، وما كان منها مشهور المكانة، وما كان منها يختص بواحد واحد من الناس، ثم أخذوا ينصون على المشهور من الأصنام، وهذه الأصنام روي أنها أسماء رجال صالحين كانوا في صدر الدنيا، فلما ماتوا صورهم أهل ذلك العصر من الحجر، وقالوا: ننظر إليها فنذكر أفعالهم فهلك ذلك الجيل وكثر تعظيم الآخر لتلك الحجارة، ثم كذلك حتى عبدت ثم انتقلت تلك الأصنام بأعيانها، وقيل بل الأسماء فقط إلى قبائل من العرب، فكانت "ودّ" في كلب بدومة الجندل، وكانت "سواع" في هذيل، وكانت { يغوث } في مراد، وكانت { يعوق } في همذان، وكانت "نسر" في ذي الكلاع من حمير. وقرأ نافع وحده ورويت عن عاصم بضم الواو. وقرأ الباقون والأعمش والحسن وطلحة وشيبة وأبو جعفر: بخلاف عن الثلاثة "وَداً" بفتح الواو، وقال الشاعر: [البسيط]

حياك ود فإنا لا يحل لنا لهو النساء وإن الدين قد عزما

فيقال إنه أراد بذلك الصنم، وقال آخر [الحطيئة]: [الطويل]

فحياك ود ما هداك لفتية وخوص بأعلى ذي فضالة هجد

يروى البيتان بضم الواو، وقرأ الأعمش: "ولا يغوثاً ويعوقاً" بالصرف، وذلك وهم، لأن التعريف لازم ووزن الفعل. وقوله: { وقد أضلوا كثيراً } هو إخبار نوح عنهم وهو منقطع مما حكاه عنهم. والمعنى وقد أضل هؤلاء القائلون كثيراً من الناس الأتباع والعوام، ثم دعا عليهم إلى الله تعالى بأن لا يزيدهم إلا ضلالاً، وذكر { الظالمين } لتعم الدعوة كل من جرى مجراهم. وقال الحسن في كتاب النقاش: أراد بقوله { وقد أضلوا }، الأصنام المذكورة وعبر عنها بضمير من يعقل من حيث يعاملها جمهور أهلها معاملة من يعقل، ويسند إليها أفعال العقل. وقوله تعالى: { مما خطيئاتهم } ابتداء إخبار من الله تعالى لمحمد عليه السلام، أي أن دعوة نوح أجيبت فآل أمرهم إلى هذا، و "ما" الظاهرة: في قوله { مما } زائدة فكأنه قال: من خطيئاتهم أغرقوا وهي لابتداء الغاية، وقرأ "مما خطيئتهم" على الإفراد الجحدري والحسن، وقرأ أبو عمرو وحده والحسن وعيسى والأعرج وقتادة بخلاف عنهم "مما خطاياهم" على تكسير الجمع. وقال: { فأدخلوا ناراً } يعني جهنم، وعير عن ذلك بفعل الماضي من حيث الأمر متحقق. وقيل أراد عرضهم على النار غدواً وعشياً عبر عنهم بالإدخال. وقوله: { فلم يجدوا } أي لم يجد المغرقون أحداً سوى الله ينصرهم ويصرف عنهم بأس الله تعالى.