وقولهم { ومنا دون ذلك }، أي غير الصالحين كأنه قال: ومنا قوم أو فرقة دون صالحين، وهي لفظة
تقع أحياناً موقع غير. والطرائق: السير المختلفة، والقدد كذلك هي الأشياء المخالفة، كأنه قد قدّ بعضها
من بعض وفصل. قال ابن عباس وعكرمة وقتادة: { طرائق قدداً } أهواء مختلفة. قال غيره فرق مختلفون.
قال الكميت: [البسيط]
جمعت بالرأي منهم كل رافضة إذ هم طرائق في أهوائهم قدد
وقولهم { وأنّا ظننا أن لن نعجز } الظن هنا بمعنى العلم. وهذا إخبار منهم عن حالهم بعد إيمانهم
بما سمعوا من محمد صلى الله عليه وسلم، و { الهدى }، يريد القرآن، سموه هدى من حيث هو سبب
الهدى، والبخس: النقص، والرهق: تحميل ما لا يطاق وما يثقل من الأنكاد ويقرح. قال ابن عباس:
البخس: نقص الحسنات، والرهق: الزيادة في السيئات. وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب "فلا يخف"
بالجزم دون ألف، وقسم الله تعالى بعد ذلك حال الناس في الآخرة على نحو ما قسم قائل الجن، فقوله:
{ وأنّا منا المسلمون ومنا القاسطون } والقاسط: الظالم، قاله مجاهد وقتادة والناس، ومنه قول الشاعر:
[الكامل]
قوم همُ قتلوا ابن هند عنوة عمراً وهم قسطوا على النعمان
والمقسط: العادل، وإنما هذا التقسيم ليذكر حال الطريقين من النجاة والهلكة، ويرغب في الإسلام
من لم يدخل فيه، فالوجه أن يكون { فمن أسلم }، مخاطبة من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم، ويؤيده
ما بعده من الآيات، و { تحروا }: معناه طلبوا باجتهادهم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تتحروا
بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها" .
وقوله تعالى: { لجهنم حطباً } نظير قوله تعالى: { { وقودها الناس والحجارة } [البقرة: 24،
التحريم: 6].