التفاسير

< >
عرض

وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً
١١
إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً
١٢
وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً
١٣
يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً
١٤
إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً
١٥
فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً
١٦
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً
١٧
ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً
١٨
-المزمل

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قوله تعالى: { وذرني والمكذبين } وعيد لهم، ولم يتعرض احد لمنعه منهم، لكنه إبلاغ بمعنى لا تشغل بهم فكراً، وكلهم إليّ. و { النعمة } غضارة العيش وكثرة المال. والمشار إليهم كفار قريش أصحاب القليب ببدر. ويروى انه لم يكن بين نزول الآية وبين بدر إلا مدة يسيرة نحو عام وليس الأمر كذلك، والتقدير الذي يعضده الدليل من إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتضي أن بين الأمرين نحو العشرة الأعوام، ولكن ذلك قليل أمهلوه، و { لدينا } بمنزلة عندنا، و "الأنكال" جمع نكل، وهو القيد من الحديد، ويروى أنها قيود سود من نار، و "الطعام ذو الغصة"، شجرة الزقوم قاله مجاهد وغيره، وقيل شوك من نار وتعترض في حلوقهم لا تخرج ولا تنزل قاله ابن عباس، وكل مطعوم هنالك فهو ذو غصة، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فصعق، والعامل في قوله { يوم ترجف }، الفعل الذي تضمنه قوله { إن لدينا }، وهو استقرار أو ثبوت، والرجفان: الاهتزاز والاضطراب من فزع وهول، و "المهيل" اللين الرخو الذي يذهب بالريح ويجيء مهيلة. والأصل مهيول استثقلت الضمة على الياء فسكنت واجتمع ساكنان فحذفت الواو وكسرت الهاء بسبب الياء. وقوله تعالى: { إنا أرسلنا إليكم } الآية خطاب للعالم، لكن المواجهون قريش، وقوله { شاهداً عليكم } نحو قوله { { وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } [النساء: 41]، وتمثيله لهم أمرهم بفرعون وعيد كأنه يقول: فحالهم من العذاب والعقاب إن كفروا سائرة إلى مثل حال فرعون، وقوله تعالى: { فعصى فرعون الرسول } يريد موسى عليه السلام، والألف واللام للعهد. والوبيل: الشديد الرديء العقبى، ويقال: كلأ وبيل ومستوبل إذا كان ضاراً لما يرعاه. وقوله تعالى: { فكيف تتقون } معناه تجعلون لأنفسكم، و { يوماً } مفعول بـ { تتقون }، وقيل هو مفعول بـ { كفرتم } على أن يجعله بمنزلة جحدتم، فـ { تتقون } على هذا من التقوى، أي { تتقون } عقاب الله { يوم }، و { يجعل } يصح أن يكون مسنداً إلى اسم الله تعالى، ويصح أن يكون مسنداً إلى اليوم. وقوله تعالى: { الولدان شيباً } يريد صغار الأطفال، وقال قوم هذه حقيقة تشيب رؤوسهم من شدة الهول كما قد ترى الشيب في الدنيا من الهم المفرط كهول البحر ونحوه. وقال آخرون من المتأولين: هو تجوز وإبلاغ في وصف هول ذلك اليوم. وواحد { الولدان } وليد، وواحد الشيب أشيب. وقوله تعالى: { السماء منفطر به } قيل هذا على النسب أي ذات انفطار كامرأة حائض وطالق، وقيل السماء تذكر وتؤنث، وينشد في التذكير: [الوافر]

فلو رفع السماء إليه قوماً لحقنا بالسماء مع السحاب

وقيل من حيث لم يكن تأنيثها حقيقياً، جاز أن تسقط علامة التأنيث لها، وقيل لم يرد اللفظ قصد السماء بعينها وإنما أراد ما علا من مخلوقات الله كأنه قصد السقف فذكر على هذا المعنى، قاله منذر بن سعيد وأبو عبيدة معمر والكسائي: و { الانفطار } التصدع والانشقاق على غير نظام، بقصد، والضمير في { به } قال المنذر وغيره: هو عائد على اليوم، وقال مجاهد: هو عائد على الله تعالى، وهذا نظير قوله { { يوم تشقق السماء بالغمام } [الفرقان: 25] الذي هو ظل يأتي الله فيها. والمعنى يأتي أمره وقدرته، وكذلك هنا { منفطر به } أي بأمره وسلطانه، والضمير في قوله { وعده } ظاهر أنه لله تعالى. ويحتمل أن يكون لليوم لأنه يضاف إليه من حيث هو منه.