قال جمهور المتأولين: هذه الآية كلها إنما نزلت في أبي جهل بن هشام.
قال القاضي أبو محمد: ثم كادت هذه الآية أن تصرح له في قوله تعالى: {يتمطى} فإنها كانت
مشية بني مخزوم، وكان أبو جهل يكثر منها، وقوله تعالى: {فلا صدق ولا صلى} تقديره فلم يصدق ولم
يصل، وهذا نحو قول الشاعر [طرفة بن العبد]: [الطويل]
فأي خميس فإنا لا نهابه وأسيافنا يقطرن من كبشه دما
وقول الآخر [أبي خيراش الهذلي]: [الرجز]
إن تغفر اللهم تغفر جمّا وأي عبد لك لا ألمَّا
{فلا} في الآية عاطفة، و {صدق} معناه برسالة الله ودينه، وذهب قوم إلى أنه من الصدقة، والأول
أصوب، و {يتمطى} معناه يمشي المطيطى وهي مشية بتبختر قال زيد بن أسلم: كانت مشية بني مخزوم،
وهي مأخوذة من المطا وهو الظهر لأنه يتثنى فيها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مشت أمتي
المطيطى وخدمتهم الروم وفارس سلط بعضهم على بعض" وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في أبي
جهل. وقوله تعالى: {أولى لك} وعيد ثان ثم كرر ذلك تأكيداً، والمعنى {أولى لك} الازدجار
والانتهاء وهو مأخوذ من ولى، والعرب تستعمل هذه الكلمة زجراً، ومنه قوله تعالى: { فأولى لهم طاعة } }
[محمد:20]، وروي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبب أبا جهل يوماً في البطحاء وقال له: إن الله يقول لك {أولى لك فأولى}" ،فنزل القرآن على نحوها. وفي شعر الخنساء: [المتقارب]
سئمت بنفسي كل الهموم فأولى لنفسي أولى لها
وقوله تعالى: {أيحسب} توقيف وتوبيخ، و {سدى} معناه مهملاً لا يؤمر ولا ينهى، ثم قرر تعالى
على أحوال ابن آدم في بدايته التي إذا تؤملت لم ينكر معها جواز البعث من القبور عاقل. وقرأ الجمهور:
" ألم يك " بالياء من تحت، وقرأ الحسن: " ألم تك " بالتاء من فوق " و " النطفة ": القطعة من الماء. يقال
ذلك للقليل والكثير، و " المني " معروف، وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم وأبو عمرو بخلاف وابن
محيصن والجحدري وسلام ويعقوب: " يمنى " بالياء، يراد بذلك المني، ويحتمل أن يكون يمنى من قولك
أمنى الرجل، ويحتمل أن يكون من قولك منى الله الخلق، فكأنه قال: من مني تخلق، وقرأ جمهور السبعة
والناس. " تمنى " بالتاء، يراد بذلك النطفة، و " تمنى " يحتمل الوجهين اللذين ذكرت، و " العلقة ": القطعة
من الدم، لأن الدم هو العلق، وقوله تعالى: {فخلق فسوى} معناه فخلق الله منه بشراً مركباً من أشياء
مختلفة فسواه شخصاً مستقلاً، وفي مصحف ابن مسعود ": يخلق " بالياء فعلاً مستقبلاً، و {الزوجين}
النوعين، ويحتمل أن يريد المزدوجين من البشر، ثم وقف تعالى توقيف التوبيخ وإقامة الحجة بقوله:
{أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} وقرأ الجمهور بفتح الياء الأخيرة من " يحييَ"، وقرأ طلحة بن
مصرف وسليمان والفياض بن غزوان بسكونها، هي تنحذف من اللفظ لسكون اللام من {الموتى}،
ويروى " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال: سبحانك اللهم وبحمدك وبلى،ويروى أنه كان يقول: بلى " فقط.
نجز تفسير سورة {القيامة} والحمد لله رب العالمين.