التفاسير

< >
عرض

إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً
٢٧
نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً
٢٨
إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً
٢٩
وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً
٣٠
يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
٣١
-الإنسان

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

الإشارة بـ { هؤلاء } إلى كفار قريش، و { العاجلة } الدنيا وحبهم لها، لأنهم لا يعتقدون غيرها، { ويذرون وراءهم } معناه فيما يأتي من الزمن بعد موتهم، وقال لبيد: [الطويل]

أليس ورائي إن تراخت منيتي أدب مع الولدان إن خف كالنسر

ووصف اليوم بالثقل على جهة النسب، أي: ذا ثقل من حيث الثقل فيه على الكفار، فهو كليل نائم، ثم عدد النعم على عباده في خلقهم وإيجادهم وإتقان بنيتهم وشدِّ خلقتهم، والأسر: الخلقة واتساع الأعضاء والمفاصل، وقد قال أبو هريرة والحسن والربيع الأسر: المفاصل والأوصال، وقال بعضهم الأسر: القوة: ومنه قول الشاعر: [الوافر]

فأنجاه غداة الموت مني شديد الأسر عض على اللجام

وقول آخر [الأخطل]: [الكامل]

من كل محتدب شديد أسره سلس القياد تخاله مختالا

قال الطبري ومنه قول العامة: خذه بأسره يريدون خذه كله.
قال القاضي أبو محمد: وأصل هذا في ما له شد ورباط كالعظم ونحوه، وليس هذا مما يختص بالعامة بل هو من فصيح كلام العرب. اللهم إلا أن يريد بالعامة جمهور العرب ومن اللفظة الإسار وهو القيد الذي يشد به الأسير، ثم توعد تعالى بالتبديل واجتمع من القولين تعديد النعمة والوعيد بالتبدل احتجاجاً على منكري البعث، أي من هذا الإيجاد والتبديل إذا شاء في قدرته، فكيف تتعذر عليه الإعادة، وقوله تعالى: { إن هذه تذكرة } يحتمل أن يشير إلى هذه الآية أو إلى السورة بأسرها أو إلى الشريعة بجملتها وقوله تعالى: { فمن شاء اتخذ } ليس على جهة التخيير بل فيه قرينة التحذير، والحض على اتخاذ السبيل، و" السبيل " هنا: ليس النجاة، وقوله تعالى: { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } نفي لقدرتهم على الاختراع وإيجاد المعاني في نفوسهم، ولا يرد هذا وجود ما لهم من الاكتساب والميل إلى الكفر.
وقرأ عبد الله " وما تشاؤون إلا ما شاء الله " وقرأ يحيى بن وثاب " تِشاؤون " بكسر التاء. وقوله تعالى: { عليماً حكيماً } معناه يعلم ما ينبغي أن ييسر عبده إليه، وفي ذلك حكمة لا يعلمها إلا هو { والظالمين } نصب بإضمار فعل تقديره ويعذب الظالمين أعد لهم، وفي قراءة ابن مسعود " وللظالمين أعد لهم " بتكرير اللام، وقرأ جمهور السبعة " وما تشاؤون " بالتاء على المخاطبة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو " يشاؤون " بالياء، وقرأ ابن الزبير وأبان بن عثمان وابن أبي عبلة " والظالمون " بالرفع، قال أبو الفتح: وذلك على ارتجال جملة مستأنفة. (انتهى).
نجز تفسير سورة { الإنسان } بحمد الله وعونه.