المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
اختلف الناس في { الروح } المذكورة في هذا الموضع، فقال الشعبي والضحاك: هو جبريل عليه
السلام ذكره خاصة من بين الملائكة تشريفاً، وقال ابن مسعود: هو ملك كريم أكبر الملائكة خلقة يسمى
بـ { الروح } ، وقال ابن زيد: كان أبي يقول هو القرآن، وقد قال الله تعالى: { { أوحينا إليك روحاً من
أمرنا } [الشورى: 52] أي من أمرنا.
قال القاضي أبو محمد: فالقيام فيه مستعار يراد ظهوره مثول آثاره، والأشياء الكائنة عن تصديقه أو
تكذيبه ومع هذا ففي القول قلق، وقال مجاهد: { الروح } خلق على صورة بني آدم يأكلون ويشربون
وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الروح خلق غير الملائكة لهم حفظة للملائكة كما
الملائكة حفظة لنا" ،وقال ابن عباس والحسن وقتادة: { الروح } هنا اسم جنس: يراد به أرواح بني آدم
والمعنى يوم تقوم الروح في أجسادها إثر البعث والنشأة الآخرة، ويكون الجميع من الإنس والملائكة
{ صفاً } ولا يتكلم أحد هيبة وفزعاً { إلا من أذن له الرحمن } من ملك أو نبي وكان أهلاً أن يقول
{ صواباً } في ذلك الموطن، وقال ابن عباس: الضمير في { يتكلمون } عائد على الناس خاصة
و "الصواب" المشار إليه لا إله إلا الله، قال عكرمة أي قالها في الدنيا. وقوله تعالى: { ذلك اليوم الحق }
أي الحق كونه ووجوده، وفي قوله: { فمن شاء اتخذ إلى ربه } مكاناً وعد ووعيد وتحريض، و "المآب"
المرجع وموضع الأوبة، والضمير الذي هو الكاف والميم في { أنذركم } هو لجميع العالم وإن كانت
المخاطبة لمن حضر النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار، و "العذاب القريب": عذاب الآخرة، ووصفه
بالقرب لتحقق وقوعه وأنه آت وكل آت قريب الجمع داخل في النذارة منه، ونظر المرء إلى { ما قدمت
يداه } من عمل قيام الحجة عليه، وقال ابن عباس { المرء } هنا المؤمن، وقرأ ابن ابي إسحق: " المُرء"
بضم الميم وضعفها أبو حاتم، وقوله تعالى: { ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً } قيل إن هذا تمنٍّ أن يكون
شيئاً حقيراً لا يحاسب ولا يلتفت إليه، وهذا قد نجده في الخائفين من المؤمنين فقد قال عمر بن الخطاب:
ليتني كنت بعرة، وقال أبو هريرة وعبد الله بن عمر: إن الله تعالى يحضر البهائم يوم القيامة فيقتص لبعضها
من بعض ثم يقول لها من بعد ذلك: كوني تراباً، فيعود جميعها تراباً، فإذا رأى الكافر ذلك تمنى مثله، قال
أبو القاسم بن حبيب: رأيت في بعض التفاسير أن { الكافر } هنا إبليس إذا رأى ما حصل للمؤمنين من بني
آدم من الثواب قال: { يا ليتني كنت تراباً } ، أي كآدم الذي خلق من تراب واحتقره هو أولاً.
نجز تفسير سورة { النبأ } والحمد لله حق حمده.