ذكر الله تعالى عنهم قولهم: { تلك إذاً كرة خاسرة } وذلك أنهم لتكذيبهم بالبعث، وإنكارهم،
قالوا: لو كان هذا حقاً، لكانت كرتنا ورجعتنا خاسرة وذلك لهم إذ هي النار، وقال الحسن: { خاسرة }
معناه: كاذبة أي ليست بكائنة، وروي أن بعض صناديد مكة قال ذلك، ثم أخبر الله تعالى عن حال القيامة،
فقال { فإنما هي زجرة واحدة } ، أي نفخة في الصور فإذا الناس قد نشروا وصاروا أحياء على وجه
الأرض، وفي قراءة عبد الله " فإنما هي رقة واحدة " و { الساهرة } : وجه الأرض، ومنه قول أمية بن أبي
الصلت: [الوافر]
وفيها لحم ساهرة وبحر وما فاهوا به فلهم مقيم
وقال وهب بن منبه: { الساهرة }: جبل بالشام يمده الله لحشر الناس يوم القيامة كيف شاء، وقال أبو
العالية وسفيان: { الساهرة }: أرض قريبة من بيت المقدس، وقال قتادة: { الساهرة }: جهنم، لأنه لا نوم
لمن فيها وقال ابن عباس: { الساهرة }: أرض مكة، وقال الزهري: { الساهرة }: الأرض كلها، ثم وقف
تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على جهة جمع النفس لتلقي الحديث، فقال: { هل أتاك حديث
موسى } الآية، و "الوادي المقدس": واد بالشام، قال منذر بن سعيد: هو بين المدينة ومصر، وقرأ
الحسن بن أبي الحسن والأعمش وابن إسحاق: "طِوىً" بكسر الطاء منونة، ورويت عن عاصم، وقرأ
الجمهور: " طُوى" بضمها، وأجرى بعض القراء "طوى" وترك إجراءه ابن كثير وأبو عمرو ونافع وجماعة، وقد
تقدم شرح اللفظة في سورة طه، وقوله تعالى: { اذهب إلى فرعون } تفسير النداء الذي ناداه به، ويحتمل
أن يكون المعنى قال { اذهب } وفي هذه الألفاظ استدعاء حسن، وذلك أنه أمر أن يقول به: { هل لك أن
تزكى }، وهذا قول جواب كل عاقل عنده نعم أريد أن أتزكى، والتزكي هو التطهر من النقائص، والتلبس
بالفضائل، وفسر بعضهم: { تزكى } بتسلم وفسرها بقول: لا إله إلا الله، وهذا تخصيص وما ذكرناه يعم
جميع هذا، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بخلاف عنه: " تزّكى " بشد الزاي، وقرأ الباقون " تزَكى "
بتخفيف الزاي، ثم أمر موسى أن يفسر له التزكي الذي دعاه إليه بقوله: { وأهديك إلى ربك فتخشى }،
والعلم تابع للهدى والخشية تابعة للعلم، { { إنما يخشى الله من عباده العلماء } [فاطر:28]، و { الآية
الكبرى }: العصا واليد، قاله مجاهد وغيره، وهما نصب موسى للتحدي فوقعت المعارضة في الواحدة
وانقلب فيها فريق الباطل، وقال بعض المفسرين: { أدبر يسعى } حقيقة قام من موضعه مولياً فاراً بنفسه عن
مجالسة موسى عليه السلام، وقال مجاهد: { أدبر } كناية عن إعراضه عن الإيمان، و { يسعى } معناه:
يتحذم حل أمر موسى عليه السلام والرد في وجه شرعه، وقوله { فحشر } معناه: جمع أهل مملكته ثم
ناداهم بقوله: { أنا ربكم الأعلى } وروي عن ابن عباس أنه قال: المعنى: فنادى فحشر، وقوله: { أنا
ربكم الأعلى } نهاية في المخرقة ونحوها باق في ملوك مصر وأتباعهم.