التفاسير

< >
عرض

وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً
١
وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً
٢
وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً
٣
فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً
٤
فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً
٥
يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ
٦
تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ
٧
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ
٨
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ
٩
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ
١٠
أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً
١١
-النازعات

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

قال ابن مسعود وابن عباس: { النازعات } ، الملائكة تنزع نفوس بني آدم، و { غرقاً } على هذا القول إما أن يكون مصدر بمعنى الإغراق والمبالغة في الفعل، وإما أن يكون كما قال علي وابن عباس: تغرق نفوس الكفرة في نار جهنم، وقال السدي وجماعة: { النازعات }: النفوس تنزع بالموت إلى ربها، و { غرقاً } هنا بمعنى الإغراق أي تغرق في الصدر، وقال عطاء فيما روي عنه: { النازعات } الجماعات النازعات بالقسي، و { غرقاً } بمعنى الإغراق، وقال الحسن وقتادة وأبو عبيدة وابن كيسان والأخفش { النازعات }: النجوم لأنها تنزع من أفق إلى أفق، وقال قتادة: { النازعات }، النفوس التي تحن إلى أوطانها وتنزع إلى مذاهبها ولها نزاع عند الموت، وقال مجاهد: { النازعات } المنايا لأنها تنزع نفوس الحيوان، وقال عطاء وعكرمة: { النازعات } القسي أنفسها لأنها تنزع بالسهام. واختلف المتأولون في { الناشطات }، فقال ابن عباس ومجاهد: هي الملائكة لأنها تنشط النفوس عند الموت، أي تحلها كحل العقال وتنشط بأمر الله أي حيث كان، وقال مجاهد: { النشاطات }: المنايا، وقال ابن عباس أيضاً وقتادة والأخفش والحسن: { الناشطات } النجوم لأنها تنشط من أفق إلى أفق، أي تذهب وتسير بسرعة، ومن ذلك قيل البقر الوحش النواشط لأنهن يذهبن بسرعة من موضع إلى آخر، وقال عطاء: { الناشطات } في الآية: البقرة الوحشية وما جرى مجراها من الحيوان الذي ينشط من قطر إلى قطر، ومن هذا المعنى قول الشاعر [همان بن قحافة]: [الرجز]

أرى همومي تنشط المناشطا الشام بي طوراً وطوراً واسطا

وكأن هذه اللفظة في هذا التأويل مأخوذة من النشاط، وقال عطاء أيضاً وعكرمة: { الناشطات } الأوهان. ويقال: نشطت البعير والإنسان إذا ربطته ونشطته: إذا حللته، وحكاه الفراء وخولف فيه ومنه الحديث "كأنما أنشط من عقال" ،وقال ابن عباس أيضاً: { الناشطات } النفوس المؤمنة تنشط عند الموت للخروج، و "السبح": العوم في الماء، وقد يستعمل مجازاً في خرق الهواء والتقلب فيه، واختلف في { السابحات } في الآية، فقال قتادة والحسن: هي النجوم لأنها تسبح في فلك، وقال مجاهد وعلي رضي الله عنه: هي الملائكة لأنها تتصرف في الآفاق بأمر الله تجيء وتذهب، وقال أبو روق: { السابحات } الشمس والقمر والليل والنهار، وقال بعض المتأولين: { السابحات }: السماوات، لأنها كالعائمة في الهواء، وقال عطاء وجماعة: { السابحات }: الخيل، ويقال للفرس: سابح، وقال آخرون: { السابحات } الحيتان، دواب البحر فما دونها وذلك من عظيم المخلوقات، فروي أن الله تعالى بث في الدنيا ألف نوع من الحيوان، منها أربعمائة في البر وستمائة في البحر، وقال عطاء أيضاً: { السابحات }: السفن، وقال مجاهد أيضاً: { السابحات }: المنايا تسبح في نفوس الحيوان، واختلف الناس في { السابقات }، فقال مجاهد: هي الملائكة، وقيل الرياح وقال عطاء هي الخيل، وقيل: النجوم، وقيل المنايا تسبق الآمال، وقال الشاعر[عدي بن زيد]: [الخفيف]

لا أرى الموت يسبق الموت شيء

وأما { المدبرات } ، فلا أحفظ خلافاً أنها الملائكة ومعناه أنها تدبر الأمور التي سخرها الله تعالى وصرفها فيها كالرياح والسحاب وسائر المخلوقات، وقال ابن زيد: { الراجفة }: الأرض تهتز بأهلها لنفخة الصور الأولى، وقيل: { الراجفة } : النفخة نفسها، و { الرادفة } : النفخة الأخرى، ويروى أن بينهما أربعين سنة، وقال عطاء: الراجفة: القيامة نفسها، و { الرادفة } : البعث، وقال ابن زيد: { الراجفة }: الموت، و { الرادفة }: الساعة، وقال أبي بن كعب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام وقال: "يا أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه" ،ثم أخبر تعالى عن قلوب تجف ذلك اليوم، أي ترتعد خوفاً وفرقاً من العذاب، ووجيف القلب يكون من الفزع ويكون من الإشفاق، ومنه قول الشاعر قيس بن الحطيم: [المنسرحُ]

إن بني جحجما وأسرتهم أكبادنا من ورائهم تجف

ورفع { قلوب } بالابتداء وجاز ذلك وهي نكرة لأنها قد تخصصت بقوله: { يومئذ }، واختلف الناس في جواب القسم أي هو، فقال الفراء والزجاج: هو محذوف دل الظاهر عليه تقديره: لتبعثن أو لتعاقبن يوم القيامة، وقال بعض النحاة: هو في قوله تعالى: { { إن في ذلك لعبرة لمن يخشى } } [النازعات: 26]، وهذا ضعيف لبعد القول ولأن المعنى هالك يستحق ابن، وقال آخرون: هو في قوله { يوم } على تقدير حذف اللام كأنه قال ليوم، وقال آخرون: وهو موجود في جملة قوله تعالى: { يوم ترجف الراجفة قلوب يومئذ واجفة } كأنه قال: لتجفن قلوب يوم كذا، ولما دلت على أصحابها ذكر بعد ذلك أبصارها، وخشوعها ذلها، وما يظهر فيها من الهم بالحال، وقوله تعالى: { يقولون } هي حكاية حالهم في الدنيا معناه: هم الذين يقولون وقولهم { أئنا } هو على جهة الاستخفاف والعجب والتكذيب، وقرأ ابن أبي إسحاق وابن يعمر: " أإنا " بهمزتين ومدة على الاستفهام، وقرأ جمهور القراء: " أئنا" باستفهام وهمزة واحدة، و { الحافرة } لفظة توقعها العرب على أول أمر رجع إليه من آخره، يقال: عاد فلان في الحافرة، إذا ارتكس في حال من الأحوال ومنه قول الشاعر: [الوافر]

أحافرة على صلع وشيب معاذ الله من سفه وعار

والمعنى: { أئنا لمردودون } إلى الحياة بعد مفارقتها بالموت، وقال مجاهد والخليل: { الحافرة } الأرض فاعلة بمعنى محفورة، وقيل بل هو على النسب أي ذات حفر، والمراد: القبور لأنها حفرت للموتى، فالمعنى { أئنا لمردودون } أحياء في قبورنا، وقال زيد بن أسلم: { الحافرة } في النار، وقرأ أبو حيوة "في الحفرة" بغير ألف، فقيل: هو بمعنى { الحافرة }، وقيل هي الأرض المنتنة المتغيرة بأجساد موتاها من قولهم حفرت أسنانه إذا تأكلت وتغير ريحها، و "الناخرة": المصوتة بالريح المجوفة، ومنه قول الشاعر: [الطويل]

وأخليتها من مخها فكأنها قوارير في أجوافها الريح تنخر

ويروى تصفر وناخرة، هي قراءة حمزة وعاصم في رواية أبي بكر وعمر بن الخطاب وابن مسعود وأبيّ بن كعب وابن عباس وابن الزبير ومسروق ومجاهد وجماعة سواهم، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود والحسن والأعرج وأبو رجاء وجعفر وشيبة وأبو عبد الرحمن وابن جبير وأهل مكة وشبل وقتادة وأيوب والنخعي: " نخرة "، دون ألف بعد النون، ومعناه: بالية متعفنة قد صارت رميماً، يقال: نخر العود والعظم: إذ بلي وصار يتفتت، وحكي عن أبي عبيدة وأبي حاتم والفراء وغيرهم أن الناخرة والنخرة بمعنى واحد كطامع وطمع وحاذر وحذر، والأكثر من الناس على ما قدمناه. قال أبو عمرو بن العلاء: " الناخرة " التي لم تنخر بعد والنخرة التي قد بليت.